قال : واحتجّ أبو علي أيضا : بأنه يجوز تعزيز النبيء بنبي معه تأكيدا وإذا جاز ذلك جاز تعزيز العقل بنبي يؤكّد ما دلّ عليه العقل.
قال : قلنا إنا لا نقول : لا يجوز ذلك التعزيز المقيس عليه إلّا لمصلحة لم تعلم إلّا به وإلّا لم يصحّ التدريج السابق.
قال : واحتجّ أبو علي أيضا : بأن الله تعالى بعث الأنبياء ليدعوا المشركين إلى التّوحيد والعقل كاف في ذلك وإنما أكّد بالأنبياء.
قال : قلنا : بل الغرض من بعثتهم تعريف الشرائع ، لكن لمّا كانت الشرائع لا تصحّ من مشرك دعاهم إلى التوحيد أوّلا ليصحّ عملهم بالشرائع ودعاؤهم إليه من باب النهي عن المنكر لا من باب التعريف بأنه قبيح ويجوز أنه من باب التعريف لإخلالهم بالنظر لا لكونه لا طريق إليه إلّا من جهتهم. انتهى ما ذكره عليهالسلام في الغايات.
قال عليهالسلام : «قلنا : لم تخبر به الرسل» أي لم تخبر الرسل صلوات الله عليهم بذلك الذي جوّز جهله من المصالح.
قلت : وهم قد قالوا : قد أخبرت به الرسل لأنّ المصالح التي كانت مجهولة هي الشرائع التي جاءت بها الرسل ، ولكن قولهم بأنّ الشرائع ألطاف مجرد دعوى بلا دليل ، بل قد قام الدليل الواضح على أنها شكر كما مرّ.
قال عليهالسلام : «وإن سلّم» أن مقارنة التخويف لتجويز الجهل ببعض المصالح وأن الرسل قد أخبرت بذلك المجهول «لزم» من ذلك «القول بوجوب العلم على كل مكلف» عقلا أي لزم «أن يعلم» كل مكلف «أنه لا بدّ من رسول كقولنا لينبئ عن الله تعالى بذلك المجهول» أي ليخبرنا الرسول عن الله عزوجل بذلك المجهول الذي فعله مصلحة لنا «إذا كان» فعله «واجبا إذ لم يعرف إلّا بإخبار الرسول ، والحكيم لا يترك ما شأنه كذلك» أي ما شأنه الوجوب وهو مجهول عند المكلف «هملا» أي مهملا منسيّا لمنافاته الحكمة «وإلّا» أي وإن لم يقولوا بوجوب العلم بالبعثة عقلا «قبح» ذلك التخويف «حيث لم يكن» فعل ذلك المجوّز «واجبا» إذ الوعيد على ما لم يجب قبيح.