فصحّ أن المراد بقوله تعالى : (سَتُدْعَوْنَ ...) الآية : مختلفو الأعراب الذين تخلفوا عن الحديبيّة لا من تخلّف عن غزوة تبوك وكيف يصحّ أن يكون المراد بآية الفتح آية براءة وقد علم أن سورة الفتح نزلت قبل سورة براءة بزمان طويل كما ذكرنا من تاريخ الغزوتين والمعلوم عند الناس كافة : أنّ آية براءة التي ذكر فيها المخلفون إنّما هي فيمن تخلّف عن غزوة تبوك ، فمن ذهب إلى ذلك فهو غالط أو مغالط.
وأما قوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) (١) أي وإن تتولوا وتتخلفوا عن دعاء النبيء صلىاللهعليهوآلهوسلم لكم إلى قتال هوازن أو غيرهم كما توليتم وتخلفتم عن دعوته لكم إلى غزوة الحديبية يعذبكم عذابا أليما.
وقوله تعالى : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) (٢) أي إذا توجهتم لقتال أهل خيبر ومغانمها (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) أي نسير معكم فنصيب من الغنائم (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) أي يريدون أن يغيروا وعد الله تعالى لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه أهل الحديبية بما ذكره الله من المغانم ، وذلك أنّ الله تعالى وعد أهل الحديبية خاصة بمغانم خيبر وذلك قوله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) (٣).
ومن فسّر قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) أي قوله تعالى : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) فقد غلط غلطا ظاهرا.
قال عليهالسلام : «سلّمنا» تسليم جدل ومجاراة للخصم وإن كان محالا أن المعنيّ بقوله تعالى : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ) هم المتخلفون عن غزوة تبوك : فلا يلزم من ذلك أن يكون جميع المتخلفين عن غزوة تبوك لم
__________________
(١) الفتح (١٦).
(٢) الفتح (١٥).
(٣) الفتح (٢٠).