«و» اعلم أنه «يحسن العفو عن العاصي (١) إن علم ارتداعه» عن المعصية أي إقلاعه عنها «كالتائب» من الذنب الراجع إلى الله تعالى النّادم على ما فرط منه «اتفاقا» بين أهل العدل وإن اختلفوا : هل يجب قبول التوبة أو لا؟
وليس ذلك من خلف الوعيد في شيء لأن التّائب خارج عن الوعيد اتفاقا ، وأما العاصي الغير مرتدع فإنه «لا يحسن العفو عنه» عقلا «إن علم عدم ارتداعه» عن العصيان «وفاقا للبلخي» أي أبي القاسم البلخي وبشر بن المعتمر وأصحابهما من البغداديين.
«وخلافا للبصرية» من المعتزلة.
اعلم : أنه اتفق جمهور البصرية والبغدادية على أن العقاب يستحقّ عقلا ثم اختلفوا : هل يعلم أنه يفعل ويقطع به عقلا أو لا؟
فقالت البصرية : لا يعلم بذلك إلّا سمعا فقط لا عقلا فإن العقل يجوّز العفو عنه.
وقالت البغدادية : نعلم (٢) من جهة العقل أنه يفعل لا محالة وأنه لا يجوز العفو أصلا.
قال الإمام المهدي عليهالسلام : وهو بناء على أن العقاب لطف للمكلفين فلا بدّ من وقوعه حينئذ.
قلت : وهذا يؤيّد ما تقدم من قولنا وما ذكره الإمام عليهالسلام بقوله : «قلنا : يصير العفو» مع عدم الارتداع «كالإغراء» للعاصي بفعل المعصية «وهو» أي الإغراء بفعل المعصية «قبيح عقلا» أي يحكم العقل بقبحه.
قال في الكشاف : في سياق قوله تعالى : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٣).
__________________
(١) ولا يجب على الأصحّ تمت.
(٢) (ض) يعلم في الأولى وفي هذه.
(٣) البقرة (٢٠٩).