أي المتشابه الذي علينا فيه تكليف «الراسخون في العلم» لوقوع الخطاب به وذلك «بأن يحملوه على معناه الموافق للمحكم».
فيردوا نحو قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (١) إلى قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (٢) ونحو ذلك لقوله تعالى في المحكم (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) أي أصله الذي يرجع إليه ويردّ ما خالفه في الدلالة عليه.
وقال «بعض الأشعرية وغيرهم : لا يعلمه» أي المتشابه «إلّا الله» كعدد الزبانية وحملة العرش ، ويرون الوقف على الجلالة.
قلنا : قال الله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) (٣) فدلّ بذلك على أن له معنى يتبعه الذين في قلوبهم زيغ [فيتبعون ما تشابه منه] ، فيجب أن يكون له معنى صحيح يتبعه من لم يكن في قلبه مرض ، وإلّا كان ذلك إغراء بالقبيح وهو لا يجوز على الله تعالى قالوا : إنّا لا ننكر أنه يفهم منه معنى يتبعه من في قلبه زيغ ولكن معناه الذي أراده الله عزوجل لا يعلمه إلّا هو.
«قلنا : خوطبنا به والحكيم لا يخاطب بما لا يفهم» لأنه يكون عبثا وإغراء بالقبيح وهما قبيحان ، وهذا بخلاف معرفة عدد الزبانية وحملة العرش فإنه تعالى لم يرد منّا معرفة عددهم.
وإنما أعلمنا تعالى أن على أهل النار زبانية موكّلين بعذابهم وأنه يتولى أمر الخلائق طوائف من الملائكة ، ولم يخاطبنا بمعرفة عددهم وهذا ونحوه هو مراد أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقوله :
(واعلم : أنّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تأويل ما لم يحيطوا به علما ، وسمّى تركهم للتعمّق فيما لم يكلّفوا البحث عن كنهه رسوخا).
__________________
(١) القيامة (٢٢ ـ ٢٣).
(٢) الأنعام (١٠٣).
(٣) آل عمران (٧).