واعلم أن أصل النور ما أبان لك الشيء ، ولذلك سمّي الضياء نورا ؛ لأنه يتبين به الأشياء فتدرك ، وقد جعل الله كلّ ما يقع به الاهتداء من القرآن ، والنبي ، والإسلام نورا ؛ لأن ذلك يبيّن الحقّ من الباطل ، فقال في القرآن : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) [التغابن : ٨]. وقال في النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَسِراجاً مُنِيراً) [الأحزاب : ٤٦].
ووصف الهداية في الإسلام بأنها نور ؛ فقال : (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [المائدة : ١٦] ووصف الله تعالى نفسه بأنه نور السموات والأرض ؛ لأنّ كلّ من فيهما يهتدي به وبكلامه وهدايته ودلالته ، فهو نور القلب لا نور العين ، وهو هادي أهل السموات وأهل الأرض.
المسألة الثامنة
ونعتقد أنه تعالى غنيّ. وفيها فصلان :
أحدهما : في معنى الغني. والثاني : في الدلالة على أنه تعالى غني.
أما الأول : فالغنيّ هو : الحيّ الذي ليس بمحتاج ، فلا غنيّ على الحقيقة إلا الله تعالى ؛ لأن الواحد منا وإن لم يكن محتاجا إلى غيره من الخلق فهو محتاج إلى الله تعالى ، وإلى ما في يده وقبضته من الأموال وغيرها ، فإذن الحاجة لا تكون زائلة عن أحد من الأحياء على الإطلاق إلّا عن الله تعالى.
وأما الفصل الثاني : وهو في الدلالة على أنه تعالى غنيّ :
أمّا أنّه حيّ وهو جنس الحدّ فقد تقدم بيانه ، وأمّا أنه ليس بمحتاج وهو فصل الحدّ. فالذي يدل على ذلك أنّ الحاجة هي الدواعي الداعية إلى جلب نفع أو دفع ضرر ، والمنفعة والمضرة لا تجوزان إلّا على من جازت عليه اللّذة والسرور والغمّ والألم ؛ لأن المنفعة هي اللذة والسرور وما أدى إليهما أو إلى