عليه ، فلو ذمّهم الله تعالى على ذلك لكان قبيحا جاريا مجرى ذمّ الأعمى على كونه أعمى. وإذا كان كذلك وجب صرف ذلك إلى ما هو من فعلهم ، وهو استثقالهم الاستماع ، وإعراضهم عنه ، وتركهم للتّفكّر فيه ، وأخبر تعالى عن ذلك بنفي الاستطاعة مبالغة في الوصف. ومن ذلك قوله تعالى : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) [الإسراء : ٤٨].
والجواب : أن معنى ذلك أنّ حيل المشركين ضلّت ، فلم يقدروا أن يحتالوا له حيلة إلّا قولهم إنه ساحر مجنون.
مسألة : ونعتقد أنّه تعالى مريد وكاره وفيها ثلاثة فصول :
أحدها في الدلالة على أنه تعالى مريد وكاره. والثاني في الدلالة على أنه تعالى لا يريد الظّلم ولا يرضى الكفر ولا يحبّ الفساد. والثالث في إيراد ما يتعلّق به المخالف وإبطاله ممّا حمل عليه الآيات المتشابهة :
أما الفصل الأول ـ وهو في الدلالة على أنه تعالى مريد وكاره
فالذي يدل على ذلك أنه آمر وناه ومتهدّد ، وكل من كان كذلك فإنه يجب كونه مريدا وكارها ، وإنما قلنا : بأنه آمر وناه ومتهدد ؛ لأنّ ذلك ممّا أجمع عليه المسلمون ، وعلم من ضرورة الدّين ، ونطق به القرآن المبين. وإنّما قلنا : بأنه لا يكون كذلك إلا وهو مريد وكاره ؛ لأنّ كونه مريدا وكارها داخل في حقائق هذه الأمور ، وإذا كان داخلا في حقائقها وجب أن يكون مريدا وكارها.
وإنّما قلنا : بأن كونه مريدا وكارها داخل في حقائق هذه الأمور بدليل أنّ الأمر هو قول القائل (١) لغيره افعل أو ليفعل ، أو ما يجري مجراهما على جهة
__________________
(١) في (ب) : أن الآمر هو القائل.