ومن السنة : قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما سأله السائل عن معرفة الله حقّ معرفته ، فقال : «أن تعرفه بلا مثل ولا شبيه ، وأن تعرفه إلها واحدا عالما قادرا أوّلا آخرا ظاهرا باطنا لا كفؤ له ولا مثل».
المسألة الثالثة
ونعتقد أنه تعالى عالم. وفيها فصلان :
أحدهما في معنى العالم : ومعناه أنه المختصّ بصفة لكونه عليها [أي الصفة] يصحّ منه إيجاد معلومه ، أو ما يجري مجرى معلومه محكما إذا كان مقدورا له ، ولم يكن هناك منع ولا ما يجري مجرى المنع. ونريد بالمعلوم الذوات ، وبما يجري مجرى المعلوم ما عدا الذوات ، ونريد بالمنع ما تقدم ذكره في معنى القادر ، وبما يجري مجراه نحو استحالة الإحكام في الجوهر الفرد (١) وأجناسه [نحو التحيّز].
والفصل الثاني في الدلالة على أنه تعالى عالم :
والذي يدل على ذلك أنّ الفعل المحكم قد صح منه ابتداء ، والفعل المحكم لا يصح ابتداء إلا من عالم.
وإنما قلنا : إنّ الفعل المحكم قد صح منه ابتداء لأنّا قد بيّنا أنّه أوجد العالم ، ولا شك أنّه متقن محكم ، وجميع أجزائه متقنة محكمة ؛ فإنّ فيها من الترتيب
__________________
(١) الجوهر الفرد ليس له حكم فلا يقال هو فوق أو تحت ؛ لأن الجسم يحتاج إلى ست جهات ، والجوهر له جهة واحدة ؛ لأنه أصغر شيء فإذا أضفت له مثله من فوق صار له فوق ثم أضف له من تحت تصير له تحت وفوق ثم أضف يمينا وشمالا ، وهكذا ؛ فالجوهر الفرد ليس له في نفسه جهات حتى يحيط به جواهر يكتمل بها جسما فيكون كل واحد من الجواهر جهة للجوهر الأخر ؛ لأن المراد بالجهات من المواد وليس من الفراغ.