حقان : أحدهما لله تعالى وهو العقاب ؛ لمكان قبح الظلم ، كما يجب ذلك في كل فعل قبيح. والثاني : للمظلوم وهو العوض ؛ لئلا يبطل حق المظلوم ، ولئلا تقبح التخلية بينه وبين الظالم ، ولقول الله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ، وقوله : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٤٠] ، وقد قدمنا في فصل المجازاة ما يكفي في ذلك ، ولأنه لو نقل عقاب المظلوم عنه لكان قد وقع التخفيف عنه ، وذلك لا يجوز لقوله تعالى : (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) [فاطر : ٣٦] ، وقوله تعالى : (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) [البقرة : ١٦٢]. ولا يجوز أن يجبر الله تعالى ذلك من جهته تفضلا من دون أن يكون من جهة الظالم ؛ لأن للمتفضل أن يتفضل وأن لا يتفضل ، وما يستحقه المظلوم يجب أن يفعل ؛ فلا يجوز أن يقوم أحدهما مقام الأخر ؛ ولأن الله تعالى لو جبر ذلك منه تعالى لكان في ذلك نهاية الإغراء بفعل الظلم ؛ فإنه إذا علم الظالم أن الله تعالى يتفضل بالقضاء عنه وأنه لا يأخذ من أعواضه شيئا دعاه ذلك إلى فعل الظلم والإغراء بالظلم قبيح ، وهو تعالى لا يفعل القبيح فلم يبق إلا أن الانتصاف إنما هو بأن يوفر على المظلومين من أعواض الظالمين التي استحقوها على ما نزل لهم (١) من الآلام والغموم بقدر ما وصل إلى المظلومين من الظالمين إذ لا يعقل من الانتصاف سوى ذلك.
فصل : في الآجال (٢)
الأجل هو : الوقت المضروب لحدوث أمر في المستقبل. وهو عامّ فيقال : أجل الدّين وأجل الثّمن وأجل الحياة وأجل الموت إلى غير ذلك. وأجل الحياة
__________________
(١) بهم في بقية النسخة.
(٢) ينظر مجموع رسائل الإمام الهادي ٣٠٥ وما بعدها ، والمغني ١١ / ٣ ، وشرح الأصول الخمسة ٧٨٠.