المسألة التاسعة :
ونعتقد أن الله تعالى لا يرى بالأبصار في الدنيا ولا في الآخرة
والكلام فيها يقع في ثلاثة مواضع : أحدها : في حكاية المذهب وذكر الخلاف. والثاني : في الدّلالة على صحّة ما ذهبنا إليه ، وفساد ما ذهب إليه المخالف. وثالثها : في إيراد ما يتعلّق به المخالفون من الآيات والأخبار المتشابهة ، وبيان ما يصحّ من معانيها (١).
__________________
(١) لم أكن متحمّسا للتعليق على مسألة الرؤية ؛ لأنها متعلقة برؤية الله أو عدم رؤيته يوم القيامة ، ومع ذلك فالخصام حولها شديد. المانعون من الرؤية يتّهمون المجيزين لها بأنهم مشبهة ومجسّمة ؛ لأن المرئي لا بد أن يكون جسما أو عرضا ؛ وهذا كفر ؛ لأن الله ليس كمثله شيء ؛ والرؤية تؤدي إلى مناقضة القرآن ؛ لأن النص القرآني الواضح المحكم ينفي الرؤية ، قال سبحانه : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ، [الأنعام : ١٠٣].
والمجيزون للرؤية استدلوا بقوله تعالى : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ونحوها ، وما رواه البخاري فقد أورد حديثين رقم «٧٠٠٠» ، «٧٠٠١» ذكر فيها أن الله يأتي إلى أمة محمد يوم القيامة وفيها المؤمن والمنافق فينكرون أنه الله ؛ فيأتي مرة ثانية في صورة قد عرفوها. وفي الحديث الثاني كذلك إلا أنه يقول : هل بينكم وبينه علامة؟ فيقولون : الساق ؛ فيكشف عن ساقه.
وهذا لا إشكال فيه عند من يثبت الجسم لله والأعضاء ، ويقول بالخروج من النار ، ولا مفر منه عند من يجمد فوق النصوص.
أما المانع من رؤية الله فلهم نظر في تفسير الآيات والاحاديث الواردة حول الرؤية ، وقد وجهوا هذه الأسئلة والإشكالات على ما رواه البخاري وغيره :
أولا : أن في رواية أبي هريرة أن المنافقين من جملة من يرى الله ، في حين أن الرؤية عند من يقول بها إنما هي تكريم للمؤمنين فكيف ثبتت هنا للمنافقين؟!.
ثانيا : الرؤية في الحديثين في المحشر ، وهم يفسرون الآية : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) ؛ [يونس ٢٦] ؛ بأنها رؤية في الجنة.
ثالثا : إن الأمة قد أنكرت الله أوّلا ولم تعرفه ، ثم عرفته ثانيا فمتى رأته وأثبتت صورته حتى تقر وتنكر؟ هل تمت رؤيته في الدنيا؟ أو كيف جاز أن ينكروه ثم يعرفوه؟ إن هذا عجب!!.