مريدا وكارها داخل في حقيقة كونه آمرا وناهيا ومتهددا.
وإنّما قلنا : بأنه متى كان كذلك لم يجز أن يكون آمرا وناهيا ومتهددا إلّا وهو مريد وكاره ؛ لأنّه لو لم يكن كذلك لعاد على ما علم من حقيقة الأمر والنهي والتهديد بالنقض والإبطال ، وذلك محال. يبيّن ذلك ويوضّحه أنّ قوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] تهديد بلا خلاف ، وقوله : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) [سبأ : ١٣] أمر بلا خلاف ، وهما على سواء في كونهما صيغتي أمر. فلو لا أنّه مريد لما تناولته إحداهما ، وكاره لما تناولته الأخرى لما كان بينهما فرق. ولكانا أمرين معا أو تهديدين معا ، وذلك محال. فثبت أنه تعالى مريد وكاره. وإذا ثبت ذلك فإنه تعالى يريد جميع أفعاله سوى الإرادة والكراهة عند القائلين بأنه تعالى مريد بإرادة هي غير المراد من فعله تعالى.
فأما عند النّافين للفصل بين الإرادة والمراد فعندهم أنه تعالى مريد لجميع أفعاله ، فحصل من ذلك إجماع المسلمين على أنه تعالى مريد لأفعاله على التفصيل الذي فصّلناه. وقد ذهبت المطرّفية إلى أنه تعالى لا يريد أكثر أفعاله ، ولا يقصدها ، بل وقع كثير منها من غير أن يريده ولا يقصده. وقولهم خارج عمّا عليه أهل الإسلام فلا عبرة به.
وأما أفعال غير الله تعالى فإنه يريد منها الطاعات دون ما عداها من المعاصي وسواها ؛ لأنّه أمر بالطاعات ولا يكون آمرا إلا مع كونه مريدا كما تقدم بيانه. ولا يجوز أن يريد المعاصي ؛ لأن في كونه مريدا لها إدخال النقص عليه كما تقدم بيانه ، حيث بيّنّا أنّه تعالى لا يريد القبائح والحمد لله تعالى.