بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القادر العليم ، الفاطر الحي القديم ، الذي خلق العالم بغير تعليم وسلك به في منهج الحكمة المستقيم.
الظاهر لعقول ذوي المعرفة ، الباطن عن أوهام ذوي التّيه والسفه ، الذي كفّت لهيبته كفّ كيف ، وقطعت شبه التصوير له براهين التوحيد بالسيف ؛ فلا يجوز عليه الكيف ، ولا الأين ، ولا الحيث ، ولا البين. تنزّه عن المشاركة في الصّمديّة ، فاختصّ بالوحدانيّة والإلهيّة ، لا يعرف بالحواس ؛ فترشقه قوس الآفات بالانتقاص ، ولا يقاس بالناس فينتظم في سلك العامّة والخواص (١) ، لا يعرفه المكلفون بالعيان ، فتحويه الجهة والمكان ، ولكن يعرفه أهل الإيمان بما ابتدعه من خلقه وأبان ، وجعله على ذاته أعظم برهان ، الغنيّ فلا تجوز عليه الفاقة ، والمكلّف لعباده دون الطاقة ، العدل الحكيم فلا يجوز ، ولا يقضي بالفساد في أمر من الأمور ، يكره القبيح ولا يريده ، ويتعالى عن أن ينسب إليه شيء ممّا يفعله عبيده ، المختصّ للمكلّفين منهم بهداه ، من أطاعه ومن عصاه ؛ كما قال عز وعلا فيمن أطاع : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] (٢) وقال فيمن عصى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧].
لا يضلّ المؤمنين بعقابه ، ولا يهدي المجرمين بتوفيقه وثوابه ، ركّب العقول في قلوب المكلفين لإقامة حججه ، وأرسل الرّسل لإيضاح الدين ومنهجه ، (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٥].
__________________
(١) في (ب) : الخاص.
(٢) في (ب) : فيمن أطاع وعصى فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى.