محدثا لاحتاج إلى محدث ، وكذلك يحتاج هذا المحدث الثاني إلى محدث ، ثم كذلك حتى يتسلسل إلى ما لا يتناهى من المحدثين. ومعلوم خلاف ذلك.
فثبت أنه تعالى لا أول لوجوده ، وثبت بذلك أنه تعالى قديم.
فصل فيما يوافق ذلك من جهة الشرع :
قال الله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) [الحديد ٣] ، وقال تعالى : (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [غافر : ٦٥]. والحي لا يكون إلا موجودا كما بيّنّاه أوّلا. فثبت أنه موجود لا أوّل لوجوده ولا آخر لوجوده ، وذلك ظاهر من جهة السّنة.
فصل : وإذا ثبت أنه تعالى يستحقّ هذه الصفات ؛ فعندنا أنه يستحقها لذاته ، على معنى أنه لا يحتاج في ثبوتها إلى غيره من فاعل أو علّة (١).
والذي يبطل ثبوتها له بالفاعل : أنّه تعالى قديم ، والقديم لا فاعل له. ولأنّ القديم لو استحقها بالفاعل لكان الكلام في ذلك الفاعل كالكلام في الله تعالى ، فيحتاج في ثبوتها له إلى فاعل ، والفاعل إلى فاعل ، حتى يؤدي ذلك إلى القول بما لا يتناهى من الفاعلين ، وذلك محال ، فبطل أن يستحقّ القديم هذه الصفات بالفاعل ، ولا يجوز أن يستحقّها لعلة واحدة ولا لعلل ؛ لأنها لا تخلو إما (٢) أن تكون موجودة أو معدومة ، ومحال ثبوتها لعلل معدومة ؛ لأنّ
__________________
(١) والكون مفعول للفاعل وليس معلول للعلة كالضوء معلول للشمس التي هي علته ؛ لأن العلة يصدر عنها معلول واحد كالحرارة والضوء من الشمس فلو كان الله علة لما تنوعت الكائنات.
(٢) إمّا ساقطة في (ب) ، وغيرها ما عدا الأصل.