فصل : ونعتقد أنه محدث مخلوق غير قديم
ولا مكذوب ، وهذا هو قول العدلية جميعا (١). وقالت الحشوية : إن هذا الذي بيننا هو قديم ، ويقولون : بأنه كلام الله تعالى. والكرّامية تقول : بأنه كلام الله تعالى وإنه محدث ؛ ولكنه غير مخلوق. والمطرفية تقول : إن هذا القرآن الذي ذكرناه ليس بمحدث ولا قديم. والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهبوا إليه : أمّا أنه محدث ؛ فالذي يدل عليه أن هذا القرآن المتلوّ في
__________________
(١) حدث في هذه المسألة خلاف مرير ؛ بل صراع دام ، بدأ أيام المأمون العباسي ، فقد حمل المأمون الناس على القول بخلق القرآن ؛ بدليل أن ما سوى الله مخلوق ، وعارضه كثير من المحدثين بزعامة أحمد بن حنبل قائلين بأن القرآن كلام الله قديم ، وجرت مناظرات ، وتشدّد المأمون في هذه المسألة ، واعتبر القول بقدم القرآن خطأ يستحق العقاب ؛ ولذلك فقد حبس أحمد وغيره من القائلين بأن القرآن قديم ، وتعرضوا للتعذيب ، وعزلوا من أعمالهم. ولمّا جاء المتوكل العباسي وقف إلى جانب القائلين بأن القرآن قديم ، واتخذ موقفا أشد عنفا ووحشية ضد المعتزلة ، أدى إلى محوهم من الوجود ، ولو لا مبادرة الزيدية إلى حفظ تراث المعتزلة لمحي هو الآخر ، وهذا موقف يشكر لرجال الزيدية.
روي أن الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليهالسلام أرسل القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد بن عبد السّلام رضي الله عنه ، وأمره أن يجلب كتب المعتزلة من العراق إلى اليمن ، ونالت استحسان وعناية المدرسة الزيدية. أما رأي الزيدية في مسألة خلق القرآن فهو نفس رأي المعتزلة. وقد آلمني ما تركه مثل هذا الاختلاف من آثار ضارة ، وبالأخص في علم الجرح والتعديل ، حيث حكم بعض المحدثين ـ بالكفر ـ على القائلين بخلق القرآن ، وقيل في المتوقفين : الواقفة الملعونة. وقد كان السلف رحمهمالله في غنى عن هذا ، ونحن كذلك ؛ لأن الله يريد منا العمل بالقرآن والاهتداء بهداه والتأدّب بآدابه. ومثل هذا الاختلاف في مثل هذا مثل قوم اجتمعوا على مائدة عليها أشهى الطعام ولذيذ الشراب ، فقال بعضهم : هذا الطعام صنعته عجوز ، وقال بعضهم : بل صغيرة ، وتعصّب لهذا قوم ، ولهذا قوم ، واشتد النزاع حتى اشتبكوا بالسلاح ، فسالت دماؤهم وفضلاتهم على المائدة ، فلا طعاما أكلوا ، ولا دما حقنوا ـ والأغرب من هذا أنهم فرحون بما صنعوا ، مصرّون على تكرار ما عملوا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. أتمنى لو أن الفرق المعاصرة تتفق على أن القرآن الكريم كلام الله وتسكت هنا.