وللموت تغذوا الوالدات سخالها |
|
كما لخراب الدّهر تبنى المساكن (١) |
يريد بذلك أن عاقبة الأولاد للموت ، والأموال للورثة ، والدّور للخراب. وعلى ذلك يدل قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ، وإنما التقطوه ليكون لهم ولدا ينفعهم ، فلما كان عاقبة أمره (٢) أن يكون لهم عدوّا وحزنا أخبر به كذلك. وممّا تعلقوا به آيات أيضا في تكليف ما لا يطاق ، فاستدلّوا بها على حسن تكليف ما لا يطاق. وقد ذكرناها في مسألة الاستطاعة ، وبيّنّا ما هو الصحيح فيها.
مسألة في الألطاف
ونحن نتكلم فيما يختص ذلك شيئا شيئا إن شاء الله تعالى. والكلام فيها على الجملة يقع في ثلاثة مواضع : أحدها في حقيقة اللطف. والثاني في قسمته. والثالث هو الكلام في حكم كل قسم منها على التعيين.
أما الموضع الأول : وهو في حقيقة اللّطف
فله معنيان : لغويّ ، واصطلاحي. أما اللغوي : فهو كلما قرّب من نيل الغرض وإدراك المقصود. ولهذا قال شاعرهم
ما زلت آخذ حاجاتي بتلطيف |
|
حتى تركت رقاب الجلح في الطيف (٣) |
__________________
(١) وقول الآخر أيضا :
ألا كل مولود فللموت يولد |
|
ولست أرى حيّا لحيّ يخلّد |
وأيضا :
وأمّ سماك فلا تجزعي |
|
فللموت ما تلد الوالدة |
(٢) في (ب) وغيرها : عاقبة أمره.
(٣) الأظهر : كالطيف ، الجلح جمع أجلح ، وهو الرجل الذكي الشديد. والمعنى : أنه ما زال يتلطف حتى ترك رقاب أعدائه عدما ووهما وكأنها طيف وخيال ،