تغيير المعاني أيضا على الحدوث أو هل قلتم هو مريد بإرادات في محل كما قلتم هو متكلم بكلام يخلقه في محل وما الفرق بين البابين فإن الإرادة إن أوجبت حكما لمن قامت به فليوجب الكلام ، كذلك وإن كان المتكلم من فعل الكلام على أصلكم فاصطلحوا على أن المريد من فعل الإرادة ، ثم يرجع الحكم إلى الفاعل كما يرجع في كونه عدلا يخلق العدل فكيف التزمتم أبعد الأقسام قبولا عن كونه معقولا.
ثم قولكم : الإرادة لا تراد تحكم باطل فإن الإرادة من الحوادث وكل حادث اختص بمثل دون مثل فهو مراد ، وإن استغنى حادث عن الإرادة استغنى كل حادث ولا يؤدي إلى التسلسل في الإرادة فإن الإرادة الأخيرة تستند إلى خلق الباري ، فهي ضرورية الوجود مرادة بإرادة الباري تعالى وإرادته قديمة لا تراد أي لا تتخصص بوقت دون وقت.
وأما التمثل بالعقول المفارقة على رأي الفلاسفة غير سديد : فإنهم أثبتوا جواهر قائمة بذواتها قابلة للمعاني غير أنهم لم يحكموا بتحيزها وأنتم أثبتم إرادات من جنس إرادات الحوادث وهي أعراض لا في محل فقد أخرجتموها عن أخص أوصاف العرضية وما أجريتم فيها حكم الجوهرية (١).
وأما التمثل بمذهب جهم بن صفوان وهشام : فمثل محال والرد عليه كالرد عليكم والتمثل بمذهب الأشعري في تكليم البشر غير مستقيم على أصله فإن عنده كلام الله مسموع بسمع البشر كما أنه مرئي برؤية البشر ولم يجب من ذلك انتقال ولا تغير وزوال فطفتم على أبواب المذاهب وفزتم بأخس المطالب.
وأما المسألة الثالثة من شعب المسألة الكبرى هو القول في تعلق إرادة الباري بالكائنات كلها والمدار في هذه المسألة على تعين الجهة التي هي متعلق الإرادة فيرتفع النزاع والتشنيع بذلك فنذكر المذاهب أولا ثم نشرع في الدليل.
قالت المعتزلة القائلون بإرادات حادثة : إن الباري تعالى مريد لأفعاله الخاصة بمعنى أنه قاصد إلى خلقها على ما علم وتتقدم إرادته على المفعول بلحظة واحدة ومريد لأفعال المكلفين ما كان منها خيرا ليكون وما كان منه شرا لأن لا يكون وما لم يكن خيرا ولا شرا ولا واجبا ولا محظورا وهي المباحات فالرب تعالى لا يريدها ولا يكرهها ويجوز تقديم إرادته وكراهيته على أفعال العباد بأوقات وأزمان ولم يجعلوا
__________________
(١) انظر : بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (٢ / ٥٠٦) ، وكذلك الجواب الصحيح (٥ / ١٥ ، ٥٢) ، ومنهاج السنة النبوية (١ / ٣٩٤).