ردّ التفرقة إلى العرضية واللونية والحركية في أنها بالقدرة الحادثة فإنها صفات نفسية ثابتة في العدم ولا إلى الاحتياج إلى المحل فإنها من الصفات التابعة للحدوث فلذلك نحن لا نردّها إلى الوجود فإنها من آثار القدرة الأزلية ونردها إلى ما أنتم تقابلونه بالثواب والعقاب حتى ينطبق التكليف على المقدور والمقدور على الجزاء والدواعي والصوارف أيضا تتوجه إلى تلك الجهة فإن الإنسان لا يجد في نفسه داعية الإيجاد ويجد داعية القيام والقعود والحركة والسكون والمدح والذم وهذه هيئات تحصل في الأفعال وراء الوجود تتميز عن الوجود بالخصوص والعموم فإن شئت سميتها وجوها واعتبارات وبالجملة لا تنزل في كونها معقولة عن درجة الاختصاص ببعض الجائزات الذي هو من أثر الإرادة والإحكام والإتقان الذي هو من أثر العلم وكون الصيغة أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا بالإرادة.
والسر الذي دفعنا إلى ذلك عموم تعلق قدرة الباري سبحانه وتعالى وقادريته واستدعاؤها أعم صفات الفعل وخصوص صلاحية القدرة الحادثة واستدعاؤها أخص صفات الفعل فإن الفعل كان مقدورا للباري سبحانه وتعالى قبل تعلق القدرة الحادثة أي هي على حقيقة الإمكان صلاحية والقدرة على حقيقة الإيجاد صلاحية ونفس تعلق القدرة الحادثة لم تخرج الصلاحيتين عن حقيقتهما فيجب أن تبقى على ما كانت عليه من قبل ثم يضاف إلى كل واحد من المتعلقين ما هو لائق فالوجود من حيث هو وجود إما خير محض وإما لا خير ولا شر انتسب إلى الباري سبحانه إيجادا وإبداعا وخلقا والكسب المنقسم إلى الخير والشر انتسب إلى العبد فعلا واكتسابا وليس ذلك مخلوقا بين خالقين بل مقدورا بين قادرين من جهتين مختلفتين أو مقدورين متمايزين لا يضاف إلى أحد القادرين ما يضاف إلى الثاني.
ثم نقول نحن نعكس عليكم الدليل فنستدل على أن الحركات ليست مخلوقة للعباد بوقوع أكثرها على خلاف الدواعي والقصود فإن الإنسان إذا أراد تحريك يده في جهة مخصوصة على حد مضبوط عنده مثل تحريك إصبعه على خط مستقيم لم يتصور ذلك من غير انحراف عن الجهة المخصوصة ، وكذلك لو رمى سهما وقصد أن يمضي فأخطأ أو رمى حجرا فأصاب موضعا وأراد أن يصيب في الرمي ، ثانيا لم يتأت له ذلك ويستمر ذلك في جميع الصناعات المبنية على الأسباب فإن الاستداد والانحراف فيها مرتب على حركات اليد والإنسان قاصر القدرة على تسديدها على حسب الداعية فإذا وجدنا الدواعي ولم نجد التأتي ووجد التأتي ولم توجد الدواعي علمنا أن اختلاف الأحوال والحركات دالة على مصدر آخر سوى دواعي الإنسان وصوارفه.