ومما يؤكد هذا الذي قلنا ما عرفته الخاصة من ائمة الدين من اهل السنة ، وقد عرفوا جميعا انه لم يكن قط في الخوارج ولا في الروافض ولا في القدرية ولا في النجارية ولا في الجهمية ولا في الجسمية الكرامية امام صار صاحب مطلب في الفقه ، ولا امام مقبول للرواية في الحديث ، ولا امام في القرآن ، ولا امام يقتدى به في التفسير ، ولا في الوعظ والتذكير ، ولا امام في النحو واللغة. ـ وائمة هذه العلوم على الخصوص والعموم من اهل السنة والجماعة ، كمالك والشافعي وابي حنيفة والاوزاعي والثوري واحمد وإسحاق وابي ثور واقرانهم في الفقه ، وكشعبة والثوري / ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعلي ابن المديني ومحمد بن اسماعيل ومسلم بن الحجاج ، واقرانهم في حفظ الحديث ، ومعرفة الحرج والتعديل ، وكالقرّاء السبعة واقرانهم في القرآن.
وكالخليل وابي عمرو بن العلاء ، والاخفش ، وسيبويه ، والفراء ، والزجاج ، وسائر ائمة النحو في علم النحو.
كل هؤلاء من اهل السنة والجماعة (١).
وانما نسب المبرد النحوي الى القدر لانه شان نفسه بمجالسة الجاحظ ومعاشرته.
ومما تحقق الهداية والنجاة لاهل السنة قول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (سورة العنكبوت ، مكية ٦٩). والجهاد جهادان ، احدهما بالجدل مع اهل الزيغ لاظهار الحق وتحقيقه ، وابطال الباطل وتزهيقه. وهذا الجدل ظاهر في اهل السنة في علم الفقه وفي علم الكلام والاصول معا ، وجدال / خصومهم ، كما قال الله تعالى : (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) (٤٠ / ٥) ـ والجهاد الثاني بالقتال في ثغور الاسلام مع اصناف الكفرة في الاطراف (٢). ـ ولم يكن
__________________
(١) ما يذكره هنا المؤلف في هذا الباب الرابع جاء في الباب الخامس من كتابه «الفرق بين الفرق» (ط. بدر ص ٢٩٩ ـ آخر الكتاب ؛ الكوثري ص ١٨٨ ـ ٢٢٣ ، عبد الحميد ص ٣١٢ ـ آخر الكتاب) وهكذا يكون كتاب «الملل والنحل» للبغدادي محلولة أولى عرض فيها مواقف اهم الفرق ثم توسع كثيرا في كتاب «الفرق بين الفرق» واضاف أيضا الكثير من الفرق التي لم يأت ذكرها في «الملل والنحل».
(٢) في كتاب «الفرق بين الفرق» صنف البغدادي اهل السنة والجماعة ثمانية اصناف