أنّ البناء مستغن عن البنّاء بعد الإيجاد فكذلك الإنسان مستغن عن الله بعد التكوين ، ولكن التشبيه باطل فإنّ البنّاء علّة لحركات يده ورجله وأمّا صورة البناء وبقائها ، فهي مستندة إلى القوى الماديّة الموجودة في المواد الأساسية التي تشكّل التماسك والارتباط الوثيق بين أجزائه ، فيبقى البناء بعد موت البنّاء ، فليس البنّاء علّة لصورة البناء ولا لبقائه ، بل الصورة مستندة إلى نفس الأجزاء المتصوّرة المتآلفة على الوضع الهندسي الخاص ، كما أنّ البقاء مستند إلى القوى الطبيعية التي توجد التماسك والارتباط بين الأجزاء على وجه يعاضد بعضها بعضا ، فيبقى ما دامت القوى كذلك.
الثاني : إنّ الفاعل الإلهي غير الفاعل الطبيعي وتفسيرهما بمعنى واحد ، ليس على صواب.
أمّا الأوّل ، فهو مفيض الوجود وواهب الصور الجوهرية من كتم العدم ، ومثله الأعلى هو الواجب ثم المجرّدات النورية من العقول والنفوس حتى نفس الإنسان بالنسبة إلى أفعاله في صقعها.
وأمّا الثاني ، فهو المعد ومهيّئ الشيء لإفاضة الصورة عليه ، فالأب فاعل مادّي وطبيعي يقوم بإلقاء النطفة في رحم الأم ،