تنطف قلت : قد كان من أمر الناس ما ترَين ، فلم يُجعَل لي من الأمر شيء؟ فقالت احق ، فإنهم ينتظرونك ، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه حتى ذهب.
فلما تفرق الناس ، خطب معاوية ، قال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه ، ولنحن أحقّ به منه ، ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة فهلا أجبته ، قال عبد الله : فحللت حبوتي ، وهممت أن اقول : أحق بهذا الأمر من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع ، وتسفك الدم ، ويحمل عني غير ذلك ، فذكرت ما اعدّ الله في الجنان.
قال حبيب : حُفِظتَ وعُصِمتَ. قال محمود ، عن عبد الرزاق : ونوساتها» (١) ، انتهى بتمامه.
وبمراجعة شروح صحيح البخاري ، نرى أن قوله : (قد كان من أمر الناس ما ترين). أراد به ما وقع بين عليّ عليهالسلام ومعاوية من القتال في صفين ، واجتماع الناس على الحكومة بينهم .. ثمّ شاور عبد الله بن عمر اخته حفصة في التوجه إليهم أو عدمه ، فأشارت عليه باللحوق بهم خشية أن ينشأ من غيبته اختلاف يفضي إلى استمرار الفتنة.
ومعنى قوله : (فلم تدعه حتى ذهب ، فلما تفرق الناس خطب معاوية) أي : ان حفصة لم تدعه حتى حضر التحكيم بين أبي موسى الأشعري ، وعمرو بن
__________________
(١) صحيح البخاري ١٤٠ : ٥ كتاب بدء الخلق ، باب غزوة الخندق. وقوله : (ونسواتها تنطف) غلط ، والصحيح : ونوساتها تنطف ، أي ذوائبها تقطر ، والمراد من الحبوة : ثوب يلقى على الظهر ويربط طرفاه على الساقين بعد ضمهما. كذا في عمدة القاري للعيني ١٨٥ : ١٧.