الحنابلة ، فقال : «قد كان صاحبكم هذا أي : أحمد بن حنبل يقول : لا تقيّة إلا في دار الشرك. فلو كان ما أقرّ به من خلق القرآن كان منه على وجه التقية ، فلقد عملها في دار الإسلام .. ولو كان ما أقرّ به على الصحّة والحقيقة فلستم منه وليس منكم ، على أنّه لم يرَ سيفاً مشهوراً ، ولا ضرب ضرباً كثيراً ، ولا ضرب إلا الثلاثين سوطاً ، مقطوعة الثمار ، مشبعة الأطراف ، حتّى أفصح بالإقرار مراراً ولا كان في مجلس ضيق ، ولا كانت حالته مؤيسة ، ولا كان مثقلاً بالحديد ، ولا خلع قلبه بشدّة الوعيد ...» (١).
أمّا في عهد المتوكّل (ت / ٢٤٧ ه) ، فقد ارتفعت المحنة عنه ، حيث أظهر المتوكّل ميلَهُ نحو المدرسة السلفية ، وأرغم الناس على التسليم والتقليد ، ونهاهم عن المناظرة والجدل ، وأمر الفقهاء والمحدّثين بالردّ على أصحاب المدرسة العقلية وشجّعهم على ذلك ، وأمدهم بالأموال وكلّ ما يحتاجون إليه في سنة / ٢٣٤ ه ، فبالغوا في الثناء عليه حتّى قالوا : «الخلفاء ثلاثة : أبو بكر الصديق رضي الله عنه في قتل أهل الردّة ، وعمر بن عبد العزيز في ردّ المظالم ، والمتوكّل في إحياء السُنّة وإماتة التجهّم» (٢).
وفي ظلّ تلك الظروف المؤاتية أعلن الإمام أحمد بن حنبل رأيه بصراحة في مسألة خلق القرآن ، فقال : «ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف ، ولم يقل ليس بمخلوق ، فهو أخبث من القول الأوّل» (٣). أي : أخبث من القول بخلق القرآن.
__________________
(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة / العلامة أسد حيدر ٤٥٩ : ٢.
(٢) تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٣٤٦.
(٣) طبقات الحنابلة ٢٩ : ١ نقلاً عن بحوث مع أهل السُنّة والسلفية / الروحاني : ١٨٣.