سمعت الحسين بن الفضل البجلي رحمهالله يقول : دخلت على زهير بن حرب بعد ما قدم من عند المأمون ، وقد امتحنه ، فأجاب إلى ما سأله ، فكان أوّل ما قال لي : يا أبا علي! تكتب عن المرتدّين؟!
فقلت : معاذ الله ، ما أنت بمرتدّ ، وقد قال الله تبارك وتعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (١) ، فوضع الله عن المكره ما يسمعه في القرآن» (٢).
قلت : انّ قول زهير بن حرب : يا أبا علي تكتب عن المرتدّين؟! فيه دلالة قويّة على عمل زهير بن حرب بالتقيّة طيلة حكم المأمون وقبل أن يمتحن زهير بذلك ، وتوضيحه :
إنّه كان يرى انّ من يقول بخلق القرآن هو من المرتدين ، ولا شكّ أنّ المرتدّ تجب عليه أحكام الردّة ، وعلى هذا القول يكون المأمون وولاته من المرتدّين!!
ولعمري ، أي تقيّة أوضح من هذه التقية ، إذ كيف له أن يلقى الله بإمامة مرتدّ والصلاة خلف ولاته المرتدّين ، وأخذ عطائه منهم ، والتقيّد بأوامرهم ، وهم من المرتدّين ، فالتقية إذن عند من أجاب إلى ما سأله المأمون أو امتنع ، ويرى رأي زهير بن حرب واقعه لا بدّ.
٧٥ ـ الجوهري (ت / ٣٩٣) :
قال عن الرجل المؤمن من آل فرعون الذي يكتم إيمانه تقيّة : «وقد أثنى الله
__________________
(١) النحل : ١٦ / ١٠٦.
(٢) تبيين كذب المفتري / ابن عساكر : ٣٥٢ ٣٥٣.