أقول : اتّفق علماء الشيعة عن بكرة أبيهم على أنّه لو فرض حدوث ما لم يعلم جهته إلا من إمام ، كان في هذه الحال كالنبيّ (ص) ، لا تجوز عليه التقية قطعاً ، لأنّه يلزم من التقية في هذه الصورة الإغرار بالقبيح الذي لا يمكن تصوّر صدوره عن معصوم.
ولا شكّ أنّ ما يتعلّق بأصل الدعوة والدين هو من الوحي الذي لا تعلم جهته إلا من النبيّ ، ولذلك فالشيعة لا تجوز عليه (ص) التقية في ذلك قطعاً.
أمّا الجائز من التقية عند الشيعة الإمامية على مطلق المعصوم ، فهو كالجائز منها على النبيّ (ص) عند أهل السُّنّة ، وهو ما لا يخلّ بالوصول إلى الحقّ ، وسيأتي ما يدل عليه في المصدر الثاني من مصادر تشريع التقية.
وربّما قصد الإمام السرخسي بقوله : «بعض الروافض» غلاة الشيعة كالخطابية لعنهم الله ، إذ لا يبعد أن يكون لديهم مثل هذا الاعتقاد السيّئ ، ولكن نسبة القول بذلك إلى «بعض الروافض» دون تشخيصهم ، فهو على الرغم ممّا فيه من التنابز إلا أنّه قد يُوهم البعض بأنّ المقصود هم الشيعة الإمامية نظراً لما يقوله سائر علماء الشيعة في سبب الوعيد الذي سبق حديث الغدير ، وربّما يكون هو المقصود.
فإن كان ما عناه سامحه الله هو هذا ، فنقول :
إنّ ما سبق حديث الغدير من وعيد قد بيّنه تعالى بقوله الكريم : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (١).
__________________
(١) المائدة ٦٧ : ٧.