وذكر أبو الحسن الماوردي الشافعي (ت / ٤٥٠ ه) عن ابن الكلبي ، إنّ الآية نزلت في عمار بن ياسر وأبويه ياسر وسمية ، وصهيب ، وخباب ، أظهروا الكفر بالإكراه وقلوبهم مطمئنة بالإيمان. ثمّ قال : «فإذا أُكره على الكفر فأظهره بلسانه وهو معتقد الإيمان بقلبه ، ليدفع عن نفسه بما أظهر ، ويحفظ دينه بما أضمر ، فهو على إيمانه ، ولو لم يضمره لكان كافراً» (١).
وبيّن الواحدي المفسّر الشافعي (ت / ٤٦٨ ه) كيف أنّ الذين لا يؤمنون بآيات الله يفترون الكذب ، ذلك لأنّهم يقولون لما لا يقدر عليه إلا الله تعالى : إن هذا من قول البشر ، مشيراً بذلك إلى الآيات المتقدمة على هذه الآية في سورة النحل ، قال : ثمّ سمّاهم كاذبين بقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) (٢).
ثمّ قال في قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) : «ثمّ استثنى المكره على الكفر (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) على التلفّظ بكلمة الكفر (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)» (٣).
وقال الفقيه السرخسي الحنفي (ت / ٤٩٠ ه) عن جواز إظهار الكفر تقية في حالة الإكراه ، كما نصّت عليه هذه الآية ما نصّه : «رخّص فيه لعمار بن ياسر رضي الله عنه ، إلا أنّ هذا النوع من التقية يجوز لغير الأنبياء ، والرسل عليهم الصلاة والسلام ، فأمّا في حقّ المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين فما كان يجوز ذلك فيما يرجع إلى أصل الدعوة إلى الدين الحقّ ، وقد جوّزه بعض الروافض لعنهم الله» (٤).
__________________
(١) تفسير الماوردي المسمّى ب : (النكت والعيون) ٢١٥ : ٣.
(٢) النحل ١٠٥ : ١٦.
(٣) تفسير الواحدي ٤٦٦ : ١ مطبوع بهامش تفسير النووي المسمّى ب : (مراح لبيد).
(٤) المبسوط / السرخسي ٢٥ : ٢٤.