موقن بحقيقته ، صحيح عليه عزمه ، غير مفسوح الصدر بالكفر ، لكن من شرح بالكفر صدراً ، فاختاره وآثره على الإيمان ، وباح به طائعاً فعليهم غضب الله ولهم عذاب عظيم».
ثمّ أخرج ما يؤيّد هذا القول عن ابن عباس أنّه قال : «فأمّا من اكره فتكلّم به لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوّه ، فلا حرج عليه ، لأنّ الله سبحانه إنّما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم» (١).
وقال أبو بكر الجصاص الحنفي (ت / ٣٧٠ ه) بعد أن أخرج عن معمر رواية أبي عبيدة بن محمّد بن عمار بن ياسر المتقدّمة : «هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه ، والإكراه المبيح لذلك هو أن يخاف على نفسه ، أو بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمره به ، فأُبيح له في هذه الحال أن يظهر كلمة الكفر» (٢).
ثمّ ذكر بعد ذلك إنّ الإكراه بالقتل ، وتلف الأعضاء على شرب الخمر ، أو أكل الميتة لا بدّ فيه من امتثال المكرَه ، وإن لم يفعل كان آثماً ، لأنّ الله عزوجل قد أباح له ذلك في حال الضرورة عند الخوف على النفس ، مستدلاً بقوله تعالى : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (٣) (٤).
ثمّ أخذ في بيان الامور التي تصحّ فيها التقية وعدّ منها القذف ، والامور التي لا تصحّ فيها كالقتل والزنا وشبههما ممّا فيه مظلمة على الإنسان (٥).
__________________
(١) جامع البيان / الطبري ١٢٢ : ١٤.
(٢) أحكام القرآن / الجصاص ١٩٢ : ٣.
(٣) الأنعام ١١٩ : ٦.
(٤) أحكام القرآن / الجصاص ١٩٣ : ٣.
(٥) أحكام القرآن / الجصاص ١٩٤ : ٣.