روايته كما سنثبته في الفصل الثاني من هذا البحث.
أمّا من أراد أن يفسّر تريّث النبيّ (ص) بالوجه المتقدّم على أنّه من التقية المصطلح عليها فليس بذاك ، وإنّما هي تقية ليست من قبيل دفع الضرر المحتمل عن النفس أو العِرض أو المال ، فهذا التفسير يكذّبه قوله تعالى في مدح رسله عليهمالسلام والشهادة لهم بانّهم هم : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (١) ، وإنّما هي تقية لأجل هذا التبليغ ممّن كان المترقّب من حالهم أنّهم سيخالفونه مخالفة شديدة قد تصل إلى تكذيبه (ص). ومن تصفّح الجزء الأوّل من موسوعة الغدير للعلامة الأميني رحمهُ اللهُ (ت / ١٣٩٠ ه) سيجد الكثير ممّن وافق الشيعة الإمامية من علماء أهل السُّنّة على صحّة هذا التفسير.
ولعلّ من المناسب هنا أنّ نذكر قول ابن قتيبة (ت / ٢٧٦ ه) عن آية التبليغ. قال : «والذي عندي في هذا أنّ فيه مضمراً يبيّنه ما بعده ، وهو أنّ رسول الله (ص) كان يتوقّى بعض التوقّي ، ويستخفي ببعض ما يؤمر به على نحو ما كان عليه قبل الهجرة ، فلمّا فتح الله عليه مكّة ، وأفشى بالإسلام أمرَهُ أن يبلِّغ ما ارسل إليه مجاهراً به غير متوقّ ، ولا هائب ، ولا متألف. وقيل له : إن أنت لم تفعل ذلك على هذا الوجه لم تكن مبلِّغاً لرسالات ربّك. ويشهد لهذا قوله بعدُ : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أي : يمنعك منهم ، ومثل هذه الآية قوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٢)» (٣) ، انتهى بلفظه.
__________________
(١) الأحزاب : ٣٩ : ٣٣.
(٢) الحجر ٩٤ : ١٥.
(٣) المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير / ابن قتيبة : ٢٢٢.