وهذا القول هو الذي رفضه الإمام الفقيه السرخسي ، والشيعة قاطبة تؤيّده على هذا الرفض.
ولنعد بعد هذا إلى جواز التلفّظ بالكفر تقية ، والقلب مطمئن بالإيمان ، كما مرّ في الآية الثانية المتقدّمة ، ودلالتها عند المفسّرين وغيرهم ، فنقول :
استدل الكيا الهراسي الشافعي (ت / ٥٠٤ ه) بهذه الآية على جملة من الأحكام فقال : «وذلك يدلّ على أنّ حكم الردّة لا يلزمه .. إنّ المشرّع غفر له لما يدفع به عن نفسه من الضرر .. واستدلّ به أصحاب الشافعي على نفي وقوع طلاق المكرَه ، وعتاقه ، وكل قول حمل عليه بباطل ، نظراً لما فيه من حفظ حقّ عليه ، كما امتنع الحكم بنفوذ ردّته حفظاً على دينه» (١).
قال الزمخشري المعتزلي (ت / ٥٣٨ ه) في تفسير الآية المتقدّمة : «إنّما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه ، واستثنى منهم المكرَه ، فلم يدخل تحت حكم الافتراء» (٢). ثمّ نقل قصة عمّار بن ياسر (ت / ٣٧ ه) ، وما فعله مسيلمة الكذاب (ت / ١٢ ه) بالصحابيّين ، وكيف أنّ أحدهما قد شهد للكذاب تقية أنّه رسول الله.
أمّا ابن عطية الأندلسي الغرناطي المالكي (ت / ٥٤١ أو ٥٤٢ أو ٥٤٦ ه) فقد بيّن أنّ المراد من الكاذبين في قوله تعالى : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) (٣) ، هم : عبد الله بن أبي سرح ، ومقيس بن صبابة وأشباههما ممّن كان آمن برسول الله ثمّ ارتدّ. ثمّ قال :
__________________
(١) أحكام القرآن / الكيا الهراسي ٢٤٦ : ٣.
(٢) الكشاف / الزمخشري ٤٤٩ : ٢ ٥٥٠.
(٣) النحل ١٠٥ : ١٦.