«فلمّا بيّن في هذه الآية أمر الكاذبين بأنّهم الذين كفروا بعد الإيمان ، أخرج من هذه الصفة القوم المؤمنين المعذّبين بمكّة ، وهم : بلال ، وعمار ، وسمية امّه ، وخباب ، وصهيب وأشباههم ، وذلك أن كفار مكّة كانوا في صدر الإسلام يؤذون من أسلم من هؤلاء الضعفة ، يعذّبونهم ليرتدوا ، فربّما سامعهم بعضهم بما أرادوا من القول ، يُروى أنّ عمار بن ياسر فعل ذلك فاستثناه الله من هذه الآية ، وبقيت الرخصة عامة في الأمر بعده» (١).
ثمّ بيّن بعد ذلك ما يتعلّق بآية التقية من مسائل الإكراه فقال : «ويتعلق بهذه الآية شيء من مسائل الإكراه :
أمّا من عذّبه كافر قادر عليه ليكفر بلسانه ، وكان العذاب يؤدّي إلى قتله فله الإجابة باللسان ، قولاً واحداً فيما أحفظ. فإن أراد منه الإجابة بفعل كالسجود إلى صنم ونحو ذلك ، ففي هذا اختلاف :
فقالت فرقة هي الجمهور : يجيب بحسب التقية.
وقالت فرقة : لا يجيب ويسلم نفسه.
وقالت فرقة : إن كان السجود نحو القبلة أجاب ، واعتقد السجود لله ..» (٢).
ثمّ أشار إلى حالات الإكراه التي تصحّ فيها التقية ، ولا يلزم المكره بشيء منها كالإكراه على البيع ، والأيمَان ، والطلاق ، والعتق ، والإفطار في شهر رمضان ، وشرب الخمر ، ونحو ذلك من المعاصي ، ثمّ أكّد أنّ ما بيّنه هو المروي عن مالك بن أنس (ت / ١٧٩ ه) من طريق مطرف ، وابن عبد الحكم ، وأصبغ.
__________________
(١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز / ابن عطية الأندلسي ٢٣٤ : ١٠.
(٢) م. ن. ٢٣٥ : ١٠.