أكرهه على التلفّظ بكلمة الكفر ، فها هنا يُباح له ، ولكنّه لا يجب.
المرتبة الثالثة : أنّه لا يجب ولا يُباح بل يحرّم ، وهذا مثل ما إذا أكرهه إنسان على قتل إنسان آخر ، أو على قطع عضو من أعضائه ، فها هنا يبقى الفعل على الحرمة الأصلية. وهل يسقط القصاص عن المكرَه (لو قتل) أم لا؟
قال الشافعي رحمهالله في أحد قوليه : يجب القصاص» (١).
أقول : إنّ القول الآخر للإمام الشافعي رحمهالله هو : لا قصاص على من يَقتل تقية ، ولا بدّ من حمل هذا القول الأخير على التقية ، لأنّه عاش في ظلّ ظروف أوجبت عليه التقية في هذا الحكم ، كما سنُشير إليه في الفصل الثاني من هذا البحث ، وذلك في بيان مواقف الصحابة والتابعين وغيرهم من التقية.
واحتجّ الفقيه ابن قدامة الحنبلي (ت / ٦٢٠ ه) بهذه الآية على جواز التقية عند الإكراه عليها ، ثمّ قال : «وإنّما ابيح له فعل المكره عليه ، دفعاً لما يتوعّده به من العقوبة فيما بعد» (٢).
كما أنّ من أُكره على كلمة الكفر فأتى بها ، لم يصر كافراً عنده ، قال : وبهذا قال مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي (٣) ، وقد ذكر تفصيلات اخرى ستأتي عند الحديث عن التقية في فقه الحنابلة.
وقال القرطبي المالكي (ت / ٦٧١ ه) : «هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر في قول أهل التفسير ، لأنّه قارب بعض ما ندبوه إليه». ثمّ نقل عن ابن عباس أنّه
__________________
(١) التفسير الكبير ١٢٢ : ٢٠.
(٢) المغني / ابن قدامة ٢٦٢ : ٨.
(٣) م. ن ٩٧ : ١٠ مسألة : ٧١١٦.