ما يفهم من عبارة المفسّرين أن جبراً قد استمر ارتداده عن الإسلام في الظاهر تقية لمدة طويلة إلى أن أسلم مولاه الحضرمي الذي كان قد أكره جبراً على الكفر.
وقال ابن كثير الشافعي (ت / ٧٧٤ ه) : «وأما قوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ، فهو استثناء ممّن كفر بلسانه ، ووافق المشركين بلفظه مكرهاً لما ناله من ضرب وأذى ، وقلبه يأبى ما يقول ، وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله.
وقد روى العوفي عن ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر ، حين عذّبه المشركون حتى يكفر بمحمّد (ص) ، فوافقهم على ذلك مكرهاً ، وجاء معتذراً إلى النبيّ (ص) ، فأنزل الله هذه الآية».
ثمّ نقل عن الطبري (ت / ٣١٠ ه) ما رواه في قصة عمار بن ياسر رضي الله عنه ، وعن البيهقي (ت / ٤٥٨ ه) أنّه قال : «إنّه أي : عمار بن ياسر سبّ النبي (ص) ، وذكر آلهتهم بخير. فشكا ذلك إلى النبيّ (ص) ، فقال : يا رسول الله! ما تركتك حتى سببتك ، وذكرت آلهتهم بخير. قال : كيف تجد قلبك؟ قال : مطمئناً بالإيمان. فقال : إن عادوا فعُد».
ثمّ قال : «ولهذا اتّفق العلماء على أنّ المُكرَه على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاءً لمهجته ، ويجوز له أن يأبى» مستدلاً بشهادة حبيب بن زيد الأنصاري ، وسلامة صاحبه حين امتحنهما مسيلمة الكذّاب ، فاستشهد الأوّل لامتناعه عن الإقرار لما أراده الكذّاب ، ونجا الثاني لموافقته على ما أراد ، وبقول النبيّ (ص) له : «وأمّا أنت فأخذت بالرخصة» (١).
__________________
(١) تفسير القرآن العظيم / ابن كثير ٦٠٩ : ٢.