وقال البرسوي الحنفي (ت / ١٣٧ ه) : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) : «اجبر على ذلك التلفّظ بأمر يخاف على نفسه ، أو على عضو من أعضائه .. لأنّ الكفر اعتقاد ، والإكراه على القول دون الاعتقاد ، والمعنى : لكنّ المكره على الكفر باللسان (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ، بالإيمان : حال من المستثنى ، أي : والحال أنّ قلبه مطمئن بالإيمان لم تتغير عقيدته ، وفيه دليل على أنّ الإيمان المنجي المعتبر عند الله هو التصديق بالقلب» (١).
أقول : إنّ علّة نفي الكفر عن المكره كما يفهم من هذا القول وسائر الأقوال المتقدّمة هي أنّ الكفر اعتقاد ، والإكراه دونه ، وهذا الحكم يجب أن يَطّرد على جميع ما يقدم عليه الإنسان تقية عند الإكراه إلا ما خرج عنه بدليل معتبر لاطّراد العلّة نفسها.
وقال الإمام الشوكاني الزيدي (ت / ١٢٥٠ ه) في تفسير الآية : «أجمع أهل العلم على أنّ من اكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل إنّه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا تبِين منه زوجته ، ولا يحكم عليه بحكم الكفر».
ثمّ ردّ قول محمّد بن الحسن الشيباني (ت / ١٨٩ ه) بخصوص أنّ من أظهر الكفر كان مرتداً في الظاهر ، وأنّه تبين منه زوجته ، ولا يُصلّى عليه إن مات ، ولا يرث أباه إن مات مسلماً فقال : «وهذا القول مردود على قائله ، مدفوع بالكتاب والسُّنّة» (٢).
__________________
(١) روح البيان / البرسوي ٨٤ : ٥.
(٢) فتح القدير / الشوكاني ١٩٧ : ٣.