وهذا القول على الرغم من ضعفه بوهب ، وهو أحد أقطاب الإسرائيليّات ، وكان يقول بالقدر كما هو معروف في كتب التراجم ، إلا أنّه كالأوّل في دلالته على تقيتهم قبل هروبهم ، لأنّهم من المؤمنين بنصّ الكتاب العزيز ، وكان ملكهم كافراً باتّفاق المفسّرين ، ولا يمكن أن يجتمع المؤمن الضعيف مع كافر متسلّط من غير تقية في كتم الإيمان.
القول الثالث : وهو من أقوى الأقوال ، وخلاصته : أنّهم كانوا أبناء عظماء المدينة وأشرافهم ، خرجوا من المدينة على غير ميعاد لِمَا كان من أمر ملكهم دقيانوس الذي يعبد الأوثان ويجبر الناس على عبادتها ، فاتّفقت كلمة أصحاب الكهف على الهرب بدينهم وأنفسهم منه ، فلجئوا إلى الكهف ، وقد نُسب هذا القول إلى ابن عبّاس (ت / ٦٨ ه) ، ومجاهد بن جبر (ت / ١٠٣ ه) ، وعكرمة (ت / ١٠٥ ه) ، وقتادة (ت / ١١٨ ه) (١).
ويؤيّد هذا القول ما نسبه الفخر الرازي (ت / ٦٠٦ ه) إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام من أنّهم كانوا ستّة وسابعهم الراعي الذي وافقهم لمّا هربوا من ملكهم ، وكان ثلاثة منهم أصحاب يمين الملك ، وكان الملك يستشيرهم جميعاً في مُهمّاته (٢).
وهذا القول كسابقيه يدلّ على أنّهم كانوا يكتمون الإيمان مع منزلتهم
__________________
(١) زاد المسير / ابن الجوزي ١١٠ : ٥ ، التفسير الكبير / الرازي ٩٧ : ٢١ ، الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ٣٥٩ : ١٠ ، والدرّ المنثور / السيوطي ٣٦٦ : ٥ ، تفسير أبي السعود / محمّد بن محمّد العمادي ٢٠٩ : ٦.
(٢) التفسير الكبير ١٠٦ : ٢١ ، وانظر جامع البيان / الطبري ١٥٠ : ١٥ ، والدر المنثور ٣٧٣ : ٥.