وإذا جاز هذا على الجماعات الكثيرة على وجه من الوجوه ، فقد بطل ما اعترض به السّائل وزالت شناعته.
وبعد ، فقد قال القوم للنّبيّ صلىاللهعليهوآله : لو نشاء لقلنا مثل هذا ؛ وهم يعلمون من أنفسهم ضرورة خلاف ذلك ، ويعلمون أيضا أنّ كلّ سامع لهذا الكلام من الفصحاء يعلم كذبهم فيه ، ولم يمنعهم ـ وهم كثير ـ العلم الضّروريّ من ادّعاء خلافه ، فكذلك [لم] يمنعهم علمهم بفضل فصاحة القرآن على فصاحتهم من أن يدّعوا في بعض كلامهم أنّه مماثل له. بل إذا جاز عليهم الأوّل ـ وليس ممّا يدخل به شبهة على أحد ـ كان الثّاني أولى بالجواز وأحرى ، وهو ممّا يوقع كلّ شبهة ويوجب كلّ شكّ. وهذا بيّن لناظر.
فإن قال : هذا القول ـ وهو : لو نشاء لقلنا مثل هذا ـ إنّما قاله (١) أميّة بن خلف الجمحيّ (٢) ، والواحد يجوز عليه الإخبار بما يضطرّ إلى خلافه ، إذا فرط غضبه وقويت عصبيّته. وليس كذلك الجماعات الكثيرة ، وكلامنا إنّما هو على جميع الفصحاء الّذين لا يجوز هذا عليهم!
قيل له : إن كان قائل هذا هو أميّة بن خلف الجمحيّ ـ حسب ما ذكرت ـ فما رأينا أحدا من الفصحاء كذّبه ولا بكّته (٣) ، وقد سمعوا كلامه واتّصل بهم!
والإمساك في مثل هذا الموضع وإظهار الرّضا يقوم مقام المشاركة في الدّعوى والتّصديق لها ، فألّا وقعت المعارضة أيضا من أحدهم لقوّة الغضب
__________________
(١) في الأصل : قال.
(٢) هو أميّة بن خلف بن وهب الجمحيّ القرشيّ ، من سادات قريش وجبابرتها في الجاهليّة ، وأحد رءوس الشكّ والضلال الذين عارضوا النبيّ صلىاللهعليهوآله وحاربوه إيذاء وتكذيبا وسخرية وتعذيبا للمسلمين. شارك في وقعة بدر فأسر ، وتولّى قتله بلال وخبيب.
(٣) بكّته : عيّره وقبّح فعله.