ممّا أجيب به عنه ، أن قالوا :
قد ثبت أنّ القديم تعالى حكيم لا يجوز عليه استفساد خلقه ولا التلبيس على عباده ، فلو مكّن الجنّ أو الملائكة ممّا ذكرتموه ، لكان نهاية الاستفساد والتّضليل للمكلّفين. وفي ثبوت حكمته دلالة على أنّه يمنع ما طعنتم به ، ولا يمكن منه (١).
وليس الأمر في الاستفساد والتّضليل هو أن يلطف في القبيح ، أو يسلب المكلّفين الطّريق إلى الفرق بين الحجّة والشّبهة ، والدّلالة وما ليس بدلالة.
فأمّا المنع من الشّبهات وفعل القبائح ، فغير واجب عليه تعالى في دار المحنة والتكليف ، من حيث كان في المنع عن ذلك دفع لهما.
وليس يجب ـ إذا كان تعالى لا يفعل الشّبهات ـ أن يمنع منها ويحول بين فاعلها وبينها ، كما لا يجب إذا لم يفعل القبيح أن يمنع منه.
والاستفساد في هذا الموضع منسوب إلى من أظهر ما ليس بمعجز على يد من ليس برسول ، ولا يجوز نسبه إلى الله تعالى (٢).
__________________
الملائكة قبل العلم بصحّة القرآن والنبوّة لا يمكن معرفتها ، فالسؤال متوجّه على ما ترويه.
وقد حكينا في كتابنا المشار إليه طرقا كثيرة لمخالفينا سلكوها في دفع هذا السؤال ، وبيّنا فسادها بما بسطناه وانتهينا فيه إلى أبعد الغايات».
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٦ : «قالوا : إنّ هذا استفساد للمتكلّمين ، وحكمته تعالى تقتضي المنع من الاستفساد».
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٦ : «وهذا غير صحيح ، لأنّ الذي يمنعه أن يفعل الله تعالى الاستفساد ، فأمّا أن يمنع منه فليس بواجب ؛ لأنّ هذا يوجب أن يمنع الله تعالى كلّ ذي شبهة من شبهته ، وأن لا يمكّن المتعبّدين المنحرفين (المشعبذين المخرقين) من شيء دخلت منه شبهة على أحد. وقد علمنا أنّ المنع من الشّبهات وفعل