وقد سئل عن هذا السؤال على وجه آخر آكد من الّذي ذكرناه :
قيل : إذا كان من ظهر القرآن على يديه لم يدّعه لنفسه ، ولا قال إنّه من كلامه ، بل ذكر أنّ ملكا ألقاه إليه وادّعى أنّه رسول الله عزوجل ، وأنتم ـ قبل أن يصحّ إعجاز القرآن ووجه دلالته على النّبوّة ـ تجوّزون على الملائكة فعل القبيح ؛ لأنّكم إنّما ترجعون في عصمتها إلى الكتاب. ولا علم لكم أيضا بمقدار فصاحة الملائكة ونهاية ما يقدرون عليه من الكلام ، فكيف يصحّ قطعكم على أنّه من عند الله تعالى ، مع ما ذكرناه؟ ومن أين لكم أنّ الملك الّذي أتى به صادق في دعواه أنّه رسول الله ، ولعلّه من كلامه ، وإن فارق كلام البشر؟!
وقد قام هذا السّؤال بالقوم وقعد ، وذهب بهم كلّ مذهب ، وتعاطوا في الجواب عنه طرقا ، كلّها غير صحيح ولا مستمرّ.
ونحن نذكر ما أجابوا به ، وما يمكن أن يجاب به ممّا لم يذكروه ، ونتكلّم بما عندنا فيه (١) :
__________________
لم يقل في جهته ما اخترناه من الصرفة يلزمه سؤالان لا جواب عنهما إلّا لمن ذهب إلى الصرفة.
السؤال الأوّل : أن يقال : ما أنكرتم أن يكون القرآن من فعل بعض الجنّ ألقاه إلى مدّعي النبوّة ، وخرق به عادتنا ، وقصد بنا إلى الإضلال لنا والتلبيس علينا ، وليس يمكن أن يدّعى الإحاطة بمبلغ فصاحة الجنّ وأنّها لا يجوز أن تتجاوز عن فصاحة العرب ، ومع هذا التجويز لا يحصل الثقة بأنّ الله تعالى هو المؤيّد بالقرآن لرسوله صلىاللهعليهوآله».
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٦ : «وقد يمكن إيراد معنى هذا السؤال على وجه آخر ، فيقال : إنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله لم يدّع في القرآن أنّه كلامه ، وإنّما ذكر أن ملكا هبط به إليه ، وقد يجوز أن يكون ذلك الملك كاذبا فيه على ربّه ، وأن يكون القرآن الذي نزل به من كلامه لا من كلام خالقه ؛ فإنّ عادة الملائكة في الفصاحة ممّا لا نعرفه ، وعصمة