اقتراح أوزان ومعان أخر تقطع على أنّ الشّعر المأثور خال ممّا يجمع من المعنى والوزن ما اقترحناه ؛ فإذا فعل فلا سبيل إلى تهمته.
ولهذه الأمور من الأمارات الدّالّة على المنتحل من الصّادق ما يعرف بمشاهدة الحال ، ولا يمكن الإخبار عنه ، فإنّ المتمكّن من قول الشّعر ، يظهر منه عند المباحثة والامتحان ما يضطرّ إلى صدقه. وكذلك المنتحل يظهر منه ما يضطرّ إلى كذبه.
وفي هذا الباب لطائف يشهد بها الحسّ ، ومن بلي باختباره وكانت له معرفة به ودربة ، علم بصحّة قولنا.
والشّعر وغيره من الكلام يجريان مجرى الصّنائع التي يظهر فيها الإتقان والإحكام في القطع على علم فاعلها أو الشّكّ فيه ؛ لأنّ أحدنا لو أحضر غيره ثوبا منسوجا حسن الصّنعة متناسب الصّورة ، وادّعى أنّه صانعه وناسجه ، لم يجب تصديقه. ولو أنّه نسج مثل ذلك الثّوب بحضرته للزمه القطع على علمه بالنّساجة وخبره بها.
ولو كان ـ أيضا ـ المعتبر على هذا المدّعي صحّة قوله بعض أهل الحذق بالنّساجة ، حتّى يسأله عن لطائف تلك الصّنعة وخصائصها ـ وعلم بعلم النّسّاج أنّه لا يجيب فيه بالمرضيّ إلّا بصير (١) بالصّنعة ـ فأجاب من كلّ ذلك بالصّحيح لوجب القطع على بصيرته ، ولاستغنى بهذا القدر من (٢) الامتحان عن تكليفه النساجة بحضرة ممتحنة.
وليس لأحد أن يقول : إنّ الشّعر وغيره من أجناس الكلام يخالف الصّنائع في أحد الوجهين اللّذين ذكرتموها ؛ لأنّ الصّنعة المبتدأة بحضرتنا نقطع على حدوثها
__________________
(١) في الأصل : الأبصر ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) في الأصل : عن ، وما أثبتناه هو المناسب للسياق.