وقد تعلّق بعضهم بأنّ المراعى هو خرق العادة ، ولو كان القرآن مأخوذا من الغير على الوجه الّذي ذكرتم لم يخرج من حصول خرق العادة به ، لا سيّما والعادة جارية بأنّ مثل ما ادّعيتموه لو وقع لظهر وانتشر. وإذا لم يظهر فليس ذلك إلّا لأنّ الله تعالى شغل النّاس عنه ، وعدل بهم عن ذكره.
قالوا : فقد حصل ما نريده من خرق العادة على كلّ وجه.
وهذا بعيد جدّا ؛ لأنّ خرق العادة وإن كان حاصلا في القرآن فلم يحصل لنا اختصاص من ظهر على يده به على وجه يوجب أنّ العادة إنّما خرقت من أجله ، وعلى سبيل التّصديق له.
وخرق العادة غير كاف إذا لم تعلم ما ذكرناه من الاختصاص ، ألا ترى أنّ مدّعيا لو ادّعى النّبوّة وحصل علمه ببعض الحوادث البديعة الّتي قد تقادم وجودها ، ولم تقع مختصّة بدعوة أحد بعينه ، أو جعل (معجزته إحدى) (١) معجزات الأنبياء المتقدّمين وادّعى أنّه المخصوص بالتّصديق بذلك ، لم نحفل بقوله ، من حيث عدمنا فيما ادّعاه الاختصاص الّذي لا بدّ منه ، وإن كان خارقا للعادة.
هذا إذا نسبنا خرق العادة إلى الله عزوجل من حيث نزّل الكتاب. فإن نسبنا خرقها إلى من أظهره لنا ، وسمعناه من جهته ، وجعلنا إنزاله إلى من أنزل إليه غير معتدّ به في باب خرق العادة ، من حيث لم نقف عليه ، واعتبرنا في عادتنا ما اطّلعنا
__________________
على يده وعرفت أخباره وانتشرت ، فثابت لا محالة. وهو على خلاف ما تضمّنه السؤال ؛ لأنّه تضمّن أنّه أخذه ممّن لم يظهر له حال ، ولا وقف له على خبر سواه ، وكذلك العلم بأنّه لم يأخذه من غيره ، لا بدّ من أن يكون مشروطا بما ذكرناه ، وكيف يدّعي إطلاقا أنّه لم يأخذه من غيره ، وهو يذكر أنّ الملك نزل به عليه؟ فيجب أن يقولوا إنّه لم يؤخذ من أحد من البشر ، وإذا فرضنا أنّ المأخوذ منه ذلك من البشر لم يطّلع على حاله سواه ، لحق البشر في هذا بالملك».
(١) في الأصل : معجزة أحد ، وما أثبتناه هو المناسب للسياق.