بحوث أصول الدين ، حتّى طغت على بقيّة مواهبه وملكاته ، ومن هنا عدّ فقيها متكلّما أو متكلّما فقيها. ولعلّ لهذه الشهرة نصيبا كبيرا من الحقيقة ، إذ حينما نلاحظ فهرس مؤلّفات الشريف ، نجد أنّ علم الكلام والمناظرة والجدل ومباحث أصول الدين ، يمثل حيّزا كبيرا منها ، فقد كتب وألّف كتبا ورسائل عديدة حول مواضيع كلاميّة مهمّة كانت مطروحة عند المتكلّمين وأصحاب المذاهب الكلاميّة ومناصريهم في تلك القرون. ومن خلال مراجعة سريعة لتراث المرتضى الكلاميّ ، يبرز لنا نشاطه وقوّة اندفاعه في متابعة آراء خصوم الإمامية ، والإجابة عنها بما يطابق المذهب الكلاميّ الإماميّ. ولعلّ جانبا من هذا النشاط ، وقوّة الاندفاع ، وسرعة الإجابة ، أو اتّخاذ المواقف ، يعود إلى موقعه ومنصبه في المجتمع البغداديّ ، وعند طائفته ، حيث كان زعيم الشيعة بلا منازع ، منذ أن توفّي شيخه وسلفه في الزّعامة ، الشيخ المفيد عام ٤١٣ ه. واستمرّ في زعامته إلى حين وفاته عام ٤٣٦ ه ، أي مدّة تزيد على عقدين ، فقد كان موقعه يقتضيه إبداء رأيه في كثير من القضايا المثارة في تلك الأزمنة ، وما أكثرها!
ومن القضايا التي كانت مثارة في تلك العهود موضوع إعجاز القرآن ، وهو موضوع من الأهميّة بمكان ، وقد كتبت وألّفت عنه أسفار كثيرة. ولمّا كان المصنّف يتبنّى رأيا خاصّا في هذا الموضوع ينفرد به ، هو قوله بالصّرفة ، استلزم الأمر أن يوضّح اعتقاده ، ويبيّن غرضه ومراده ، فعقد في عدد من كتبه فصولا وأبوابا لتوضيح هذا الأمر. ويبدو أنّ الشريف أحسّ أخيرا بعدم وفاء ما عقده من الفصول والأبواب ببيان غرضه وتوضيح مرامه ، فأقدم على تصنيف كتاب جامع مستقلّ في هذا الموضوع ، يحتوي على كلّ ما يتعلّق به ، سمّاه كتاب (الموضح عن جهة إعجاز القرآن) ، وسمّاه ملخّصا (كتاب الصّرفة). ويعدّ هذا الكتاب من تراث