فإذا قال : لا.
قيل له : وأيّ فرق بين البشر في هذا والملائكة إذا كان مجوّزا ـ قبل صحّة النّبوّة ـ على الملائكة المعاصي وفعل القبيح كما يجوّزهما على البشر؟! فإنّه لا يتمكّن من إيراد وجه يفسد به الاستدلال ، إذا كان مجوّزا لما ذكرناه في البشر إلّا وهو بعينه قائم ثابت في باب الملائكة.
فأمّا قوله في أوّل الفصل : «إنّ ما يجري به عادة الملائكة قد يكون ناقضا لعادتنا ، وأنّ نقل الملائكة الشيء إلى واحد دون آخر من باب نقض العادة» ، فصحيح ، غير أنّه لا ينتفع به ؛ لأنّا قد بيّنا أنّ العلم بانتقاض العادة في هذا الموضع غير كاف مع التجويز ، لما تقدّم في صحّة الاستدلال.
وإنّما يكون ما ذكره ـ من أنّ عادة الملائكة لا تمنع أن تكون فينا نقضا للعادة ـ جوابا لمن قال : إنّ عادتنا لا تنتقض إلّا بما نعلم (١) خروجه عن عادة كلّ أحد من الخلق ، وهذا غير ما نحن فيه.
قال صاحب الكتاب (٢) بعد سؤال وجواب لا طائل فيهما :
«فإن قال : إنّا نقول ـ فيما ذكرتموه في الشّمس والفلك ـ إنّه يدلّ على النّبوّة ؛ لأنّ الملك لو أراد أن يفعله على طريق الاستفساد لكان تعالى يمنع منه».
وأجاب بأن قال : فكذلك القول في القرآن. وذكر أنّ هذا فصل بعد نقض العلّة ، لأنّ الاعتلال إنّما كان بأنّ تجويز وقوعه ممّن ليس بحكيم يمنع من الاستدلال به (٣).
__________________
(١) في الأصل : نعلمه ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) المغني ١٦ / ١٧٤ ـ ١٧٥.
(٣) قال القاضي عبد الجبّار في المغني ١٦ / ١٧٥ : «قيل له : فكذلك القول في القرآن ، على أنّ ذلك فصل بعد نقض العلّة ؛ لأنّك اعتللت بأنّ ذلك إذا جوّز أن يكون من فعل من ليس بحكيم ، فكيف يدلّ على النّبوّات؟».