ولم يزد فيها ، لا يقع منه (١) المعصية ، ويجعل هذا من باب التمكين ، لا باب الاستفساد.
ويقول في غواية إبليس مثل ذلك ، ويجيز أن ينفسد عندها من لو لاها لم يفسد ، بعد أن يكون الحال على ما قدّرناه في زيادة الشّهوة وكثرة ما يستحقّه على الامتناع من الثّواب ؛ وإن كان أبو عليّ (٢) يخالف في هذه الجملة ، ويلحق هذين الأمرين بباب الاستفساد. وعلى مذهبهما جميعا يصحّ ما قدّمناه من كلامنا.
أمّا على مذهب أبي هاشم الذي حكيناه فلا يمتنع أن يعلم الله تعالى أنّ في تمكين المكلّف المتنبّئ (٣) من تناول القرآن وادّعاء النّبوّة زيادة مشقّة على المكلّفين في النظر وتمييز الصّادق من الكاذب ، يستحقّون لأجلها من الثّواب أكثر ممّا كانوا يستحقّونه مع فقدها ، فلا يجب أن يمنع تعالى منه ؛ لأنّه خارج من باب الاستفساد عنده ، داخل في باب التّمكين والتّعريض لزيادة الثّواب.
ويلحق هذا الوجه ـ على مذهبه بتقوية الشّهوة ـ بتمكين (٤) إبليس من الغواية والإضلال ، وتمكين من ذكرناه أيضا من ماني وزرادشت وغيرهما من مخاريقهم المضلّة ونواميسهم المفسدة.
وأمّا على مذهب أبي عليّ فهو أيضا صحيح مستمرّ ؛ لأنّ أبا عليّ يقول : إنّما مكّن الله تعالى إبليس من الغواية والدّعاء إلى الفساد ، ولم يمنعه من ذلك من حيث
__________________
(١) في الأصل : ولا يقع من.
(٢) هو محمّد بن عبد الوهّاب الجبّائيّ ـ والد أبي عليّ الجبّائيّ ـ ولد سنة ٢٣٥ ه بجبّا من أعمال خوزستان ، درس على أبي يعقوب الشحّام الذي كان أهمّ رجال المعتزلة بالبصرة ، فأصبح بعد موت شيخه رئيسا لمدرسة المعتزلة ، وظلّ هكذا إلى حين وفاته. ومن تلامذته أبو الحسن الأشعريّ. له تصانيف كثيرة.
(٣) في الأصل : الميني ، والظاهر ما أثبتناه.
(٤) في الأصل : وبتمكين.