«فإن قال (١) : امتنع عليهم ذلك بأن أعدمهم الله تعالى العلوم الّتي معها يمكن الكلام الفصيح ، فصار ذلك ممتنعا عليهم ؛ لفقد العلم لا للوجوه التي ذكرتموها.
ثمّ قال : قيل له : ليس يخلو فيما ادّعيته (٢) من وجهين :
إمّا أن تقول : قد كان ذلك القدر من العلم حاصلا من قبل معتادا ، فمنعوا منه [عند] (٣) ظهور القرآن.
أو تقول (٤) : إنّ المنع من ذلك مستمرّ غير متجدّد ، وإنّهم لم يخصّوا (٥) ، ولا من تقدّمهم بهذا القدر من العلم.
فإن أردت [الوجه] (٦) الأوّل فقد كان يجب أن يكون قدر القرآن في الفصاحة قدر ما جرت به العادة من قبل ، وإنّما منعوا من مثله في المستقبل.
ولو كان كذلك لم يكن المعجز هو القرآن ؛ لكونه مساويا لكلامهم ، ولتمكّنهم من قبل من فعل مثله في قدر الفصاحة. وإنّما يكون (٧) المعجز ما حدث فيهم (٨) من المنع ، فكان التحدّي يجب أن يقع بذلك المنع لا بالقرآن ، حتّى لو لم ينزّل الله تعالى عليه (٩) القرآن ولم يظهره (١٠) أصلا ، وجعل دليل نبوّته امتناع الكلام عليهم على الوجه الّذي اعتادوه لكان وجه الإعجاز لا يختلف ، وهذا ممّا يعلم (١١) بطلانه باضطرار ؛ لأنّه عليهالسلام تحدّى بالقرآن ، وجعله العمدة في هذا الباب.
على أنّ ذلك لو صحّ لم يقدح في صحّة نبوّته ؛ لأنّه كان يكون بمنزلة أن يقول صلىاللهعليهوآله : دلالة نبوّتي أنّي أريد المشي في جهة ، فيتأتّى لي العادة ، وتريدون
__________________
(١) المغني ١٦ / ٢١٨.
(٢) في المغني : لست تخلو فيما ادّعيت.
(٣) من المغني.
(٤) في الأصل : يقول.
(٥) في المغني : لم يختصّوا.
(٦) من المغني.
(٧) في المغني : كان يكون.
(٨) في المغني : منهم.
(٩) ليس في المغني.
(١٠) في المغني : يظهر.
(١١) في المغني : نعلم.