بعد أخرى ، فقد ذكرنا ما يمكن أن يكون طريقا إلى العلم بما ذكرنا أنّه شرط ، وأنّه ممّا يمكن المكلّف إدراكه وإصابته ، فسقط قوله : «إنّ الّذي ذكره لو كان شرطا لأمكن العلم به وأنّ الّذي ذكرناه لا طريق إليه».
فأمّا منعه ممّا ألزمناه لما فيه من التّنفير والمفسدة ـ قياسا على المنع من ظهور المعجزات على الصّالحين ومن ليس بنبيّ ـ فقد بيّنا فيما أمليناه من كتابنا «الشافي في الإمامة» (١) جواز ظهور المعجزات على أيدي الأئمّة والصّالحين ، ودللنا على أنّه لا تنفير في ذلك ولا فساد.
على أنّا لا نمنع ممّا اقتضاه ظاهر كلام الكتاب ، لأنّه قال : «فيجب أن يمنع من أن يمكن أحدا من ادّعاء معجزة لنفسه ، على وجه يلتبس بها حاله بحال من يظهر نفس المعجز عليه».
ونحن نمنع ممّا ذكره من كان بهذه الصّفة من الالتباس (٢) ؛ لأنّ المفهوم من الالتباس ما لا يمكن معه إصابة الحقّ ، ولا القطع على الصّواب.
وقد بيّنا أنّ الّذي جوّزناه لا يقتضي التباس المعجز بما ليس بمعجز ، ولا يرفع طريق التّمييز بيننا. اللهمّ إلّا أن يريد بلفظة «الالتباس» قوّة الشّبهة وشدّة المشقّة على المكلّف مع تمكّنه من (٣) إصابة الحقّ ، وهذا إن أراده ، يسقط بجميع ما تقدّم ؛ لأنّ القديم تعالى لا يجب عليه المنع من الشّبهات.
ثمّ قال صاحب الكتاب (٤) في جملة فصل يتضمّن : «بيان صحّة التّحدّي بالكلام الفصيح» ، بعد أن بيّن أنّ امتناع المعارضة لا يجوز أن يكون ؛ لأنّ الله تعالى فعل فيهم منعا عن الكلام :
__________________
(١) الشافي في الإمامة ١ / ١٩٦.
(٢) في الأصل : التباس ، والمناسب ما أثبتناه.
(٣) في الأصل : بل ، والظاهر ما أثبتناه.
(٤) المغني ١٦ / ٢١٤.