جانب وأنف ، وقلّة احتمال للضّيم ، وامتناعا من إعطاء المقادة ؛ فكيف بها وقد وردت منهم على ما هو الغاية فيما وصفناه؟ لا شكّ في أنّها تبلغ في إثارتهم وبعثهم ما لا يبلغه في غيرهم ، لما هم عليه من المزيّة ، وعندهم من فرط الحميّة!
وإذا ثبت بما ذكرناه قوّة دواعيهم إلى دفع أمره ، وإبطال حجّته ، وحلّ عقدته ـ وكان المؤثّر في ذلك على الحقيقة هو المعارضة دون غيرها ـ وجب أن تكون الدّواعي إليها متوفّرة ، وصار ما دعاهم إلى دفع قوله ونسخ أمره يدعوهم إلى المعارضة بعينها.
يبيّن ذلك : أنّه عليه وآله السّلام لمّا ظهر فيهم ادّعى الإبانة منهم بالنبوّة لا بالملك والدّولة ، وجعل حجّته على صدقه ووجوب اتّباعه ، امتناع المعارضة عليهم ؛ فلا محالة أنّ الدّاعي للقوم إلى ردّ حجّته وإبطال قوله هو بعينه داع إلى فعل المعارضة ؛ لأنّه عليهالسلام إنّما احتجّ بامتناعها وادّعى الإبانة من جهة تعذّرها ، فلا شبهة في أنّها لو كانت ممكنة لما جاز العدول عنها.
على أنّه لا حاجة بنا إلى الاستدلال على توفّر دواعي القوم إلى إبطال أمره وتفريق جمعه ، لظهور ذلك وعلم العقلاء السّامعين للأخبار به اضطرارا ؛ لأنّه ظهر من القوم من الاجتهاد في محاربته ومغالبته ، وركوب الأخطار ، وتحمّل الأثقال ، والتّغرير بالنّفوس والأموال ، إلى غير هذا من التغلغل إلى صنوف الحيل وضروب المكائد ، واستعمال ما لا تأثير له ولا شبهة في مثله ، كالسّبّ والهجاء ، وإحضار أخبار الفرس ، وادّعاء المعارضة بها ، ما يضطرّ العقلاء إلى قوّة حرصهم على دفاع أمره ، وأنّه لم يظهر منهم ما ظهر إلّا لفرط الاهتمام ، وأنّ الأمر قد برّح بهم (١) وأحرجهم ، وأخذ بمخنقهم!
__________________
(١) أي اشتدّ عليهم الأمر وعظم.