من الأوزان ـ مع تجويده في غيره لتسارعوا إلى مواقفته ، على أنّ ما بان منهم به ليس بمعجز ولا خارق للعادة ، ولا مقتض للصّرف ، وأنّه ممّا قد جرت العادات بمثله. وما رأيتهم فعلوا.
وبعد ، فقد قال الله تعالى مخبرا عنهم : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) (١).
وتظاهرت الأخبار بأنّهم طالبوه بإحياء عبد المطّلب ، ونقل جبال مكّة عن أماكنها. وهذا اقتراح من يفرّق بين المعجزات وغيرها ، ويميّز بين أبهرها (٢) وأظهرها إعجازا ، وبين ما يلتبس أمره ويدخل الشّبهة في مثله. فكيف يذهب عليهم ما ذكره السّائل؟!
على أنّ هذا السؤال عائد على من ذهب في إعجاز القرآن إلى فرط الفصاحة الخارجة عن العادة ؛ لأنّه إذا اعترض فقيل له : بأيّ شيء تنكر أن يكون بين القرآن وبين فصيح كلام العرب فصل قريب قد جرت بمثله العادة؟ وأنّ التحدّي لمّا وقع أشفق فصحاء العرب من معارضته ؛ لعلمهم بأنّ ما يأتون به ليس بمماثل له ، وظنّوا أنّهم إنّما دعوا إلى مماثلته لا مقاربته ، ولم يكن عندهم ما عندكم من أنّ المقاربة ـ في إخراجه من أن يكون خارقا للعادة ـ كالمماثلة ، ولا اهتدوا إلى أن يقولوا إنّ فضل كلامك على كلامنا كفضل كلام بعضنا على كلام بعض ، وأنّ هذا لا يوجب لك الإبانة والتخصيص ، كما لا يوجب لفاضلنا على متوسّطنا ؛ لأنّ ذلك ممّا لا يقف
__________________
(١) الإسراء ٩٠ ـ ٩٣.
(٢) أكثرها تفوّقا وغلبة.