من العدم إلى الوجود ، بل أراد ما يعقل من معنى الحدوث والتّجدّد ؛ فيكون ما تكلّمنا عليه غير خارج عن شرطه ، لأنّا نعقل من تجدّد انتفاء العلوم بالفصاحة ـ على من قصد المعارضة ـ ما لو لا تصديق الرّسول صلىاللهعليهوآله لم يكن.
فإن قال : أيّ تجدّد يفعل في الموضع الذي ادّعيتموه؟! والعلوم التي انتفت عمّن رام المعارضة لم تكن موجودة ثمّ عدمت ، بل انتفاؤها مستمرّ غير متجدّد. وليس كذلك عدم العرض الذي يستدلّ به على حدوثه ، لأنّا نعلم عدمه بعد وجوده متجدّد في الحقيقة.
قيل له : هذه العلوم وإن لم تكن انتفت بعد أن وجدت على الحقيقة ، فهي من حيث اقتضت العادة وجودها ـ لو لا تصديق الرّسول صلىاللهعليهوآله ـ في حكم الموجود ، وإن لم يوجد ؛ فجرى انتفاؤها في تجدّده مجرى ما وجد على الحقيقة ثمّ عدم.
وإنّما قلنا : «في حكم الموجود» (١) ، لأنّا نعلم أنّ وجودها كان واجبا لا محالة ، [حسب] مقتضى العادة ؛ فإذا خرق الله تعالى العادة في أن يوجدها واستمرّ انتفاؤها ، جرى مجرى ما طرأ عليه الانتفاء من الوجه الّذي ذكرناه. وهذا بيّن لا إشكال (٢) فيه.
على أنّا قد نستدلّ بجواز عدم العرض على حدوثه ، وإن لم يحصل العدم ويتجدّد. وليس كونه ممّا يجوز أن يعدم متجدّدا على وجه ، وهذا يبيّن أنّ الشرط الّذي ذكر ليس بمستمرّ في جميع الدّلائل.
فإن قال : ما أنكرتم أن يكون الاشتراط في الدّلالة أن تكون حادثة هو في أصول الأدلّة ؛ لأنّ مرجع جميع الأدلّة إلى الأفعال الّتي لا بدّ أن تكون حادثة؟! وأن يكون ما ذكرتموه من الاستدلال على حدوث العرض ـ بعدمه ، وبتعذّر الفعل
__________________
(١) في الأصل : الوجود ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
(٢) في الأصل : الأشكال ، والمناسب ما أثبتناه.