على أهل طبقته ؛ لكثرة فنون شعره.
فأمّا جرير والفرزدق فالاختلاف في تفضيلهما أيضا مشهور ؛ فبعض العلماء والرّواة يفضّل جريرا ، وبعض آخر يفضّل الفرزدق. وآخرون يفضّلون الأخطل على الجميع ، ويقولون : إنّه أشدّهم أسر شعر (١) ، وأشبههم بمذهب الجاهليّة ، ولكلّ فيما ذهب إليه قول واحتجاج.
ومن تأمّل أقوال الناس في هذه المعاني حقّ تأمّلها علم أنّها كالمتكافئة المتقابلة ، وأنّه لا مذهب منها إلّا وله مخرج وفيه تأوّل ، وأنّ الحقّ المحض لو التمس في خلالها لتعذّر وجوده.
وقد علمنا أنّ هؤلاء ، وإن اختلفوا فيما حكيناه ، فلا اختلاف بينهم في أنّ كلام الجماعة يقارب بعضه بعضا. وكلّ من فضّل أحدهم على غيره يقرّ بأنّ كلام المفضول مقارب لكلام الفاضل. وليس هذا ممّا تدخل الشّبهة فيه دخولها في الأوّل ، ولا ممّا يصحّ أن يعتقد فيه المذاهب المختلفة ؛ فقد عاد الأمر إلى أنّه لو كان صلىاللهعليهوآله تحدّاهم بأن يأتوا بمثل ما أتى به على هذا الوجه لكان متحدّيا بما لا سبيل إلى علمه ، ومطالبا لهم بما لو أحضروه لم يخرجوا عن التّبعة.
وقد مضى أنّهم لو كانوا فهموا ذلك من التحدّي لما صبروا تحته ، ولا أمسكوا عن المواقفة عليه ؛ فقد دلّ ما ذكرناه على أنّ التحدّي إنّما كان بإيراد ما هو ظاهر في كلامهم ، ومعلوم من حالهم.
وبعد ، فلو كان التماثل الّذي عناه السائل ممّا لا يعترض فيه شك ، وكان أمره واضحا جليّا ـ وليس كذلك في الحقيقة ـ لم يقدح (٢) الاعتراض بالتحدّي به في إعجاز القرآن على مذهبنا ؛ لأنّا قد بيّنا قبل هذا الموضع أنّهم لو تحدّوا بذلك
__________________
(١) أي أحكمهم صناعة للشّعر.
(٢) في الأصل : يقدم ، والظاهر ما أثبتناه.