عند الإتيان به ، لوقفوا على أنّهم قد أعنتوا وكلّفوا ما لم يطيقوا.
والمماثلة الّتي ذكرتها بين الشّاعرين وغيرهما ، وإن لم تكن على التحديد والتّحقيق ، بل لأجل اشتباه الكلامين وشدّة تقاربهما ، وصفا بأنّهما مثلان ؛ فالإشكال الّذي ذكرناه في ذلك أيضا حاصل ، والخلاف ثابت. ولهذا ما اختلف النّاس في تطبيق الشّعراء وتنزيلهم وتفضيل بعضهم على بعض ، قديما وحديثا. واختلفت في ذلك مذاهبهم ، وتضادّت أقوالهم ، وجرى في هذا المعنى من التّنازع ما لم يستقرّ إلى الآن ، فمن ذاك أنّ أكثر المطبّقين (١) جعلوا الأعشى (٢) في الطبقة الأولى رابعا ، وقوم منهم جعلوا طرفة (٣) الرّابع ، وآخرون جعلوه الخامس.
واختلفوا أيضا في تفضيلهم ؛ فمنهم من فضّل امرأ القيس على الجماعة ، ومنهم من فضّل زهيرا (٤) ، ومنهم من فضّل النّابغة (٥). وقد فضّل قوم الأعشى
__________________
(١) أي الذين قسّموا الشعراء إلى طبقات ..
(٢) هو ميمون بن قيس بن جندل ، من بني قيس بن ثعلبة ، يعدّ من شعراء الطبقة الأولى في الجاهليّة ، وأحد أصحاب المعلّقات ، ولقّب بالأعشى الأكبر ، وأعشى بكر بن وائل. توفّي سنة ٧ ه.
(٣) هو عمرو بن العبد بن سفيان البكريّ الوائليّ ، شاعر جاهليّ من الطبقة الأولى ، ومن أصحاب المعلّقات.
(٤) هو زهير بن أبي سلمى ، ربيعة بن رياح المزنيّ المضريّ ، وصف بأنّه حكيم الشعراء في الجاهليّة ، وفي أئمة الأدب من يفضّله على شعراء العرب كافّة ، ولد ببلاد مزينة بنواحي المدينة ، لكنّه أقام بديار نجد ، وسيرته وأشعاره ومعلّقته مشهورة معروفة. توفّي سنة ١٣ قبل الهجرة.
(٥) النّابغة الذّبيانيّ ، زياد بن معاوية الذبيانيّ المضريّ ، شاعر جاهليّ ، من الطبقة الأولى ، وهو من أهل الحجاز ، كانت تضرب له قبّة بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها. ويعدّ من الأشراف في الجاهليّة ، وكان حظيّا عند النعمان بن المنذر ، وله شعر كثير. عاش طويلا ، وتوفّي نحو سنة ١٨ قبل الهجرة.