وليس لأحد أن يقول : إنّهم شكّوا في لفظ «التحدّي» ، وهل المراد به المماثلة أو المقاربة؟ لأنّا قد دللنا فيما مضى على أنّهم لو شكّوا في ذلك لاستفهموا عنه ، سيّما مع تمادي زمان التحدّي وتطاوله وتكرّر التقريع على أسماعهم ، وقد بلغوا من إعناتهم (١) للنّبيّ صلىاللهعليهوآله ، وتتبّعه في أقواله وأفعاله ما كان أيسر منه سؤاله عن مراده بالتحدّي الّذي هو آكد حججه وأظهر دلائله.
وبعد ، فقد كان يجب مع الشكّ أن يعارضوا ما يقدرون عليه ؛ فإن وقع موقعه فقد أنجحوا. وإن قال لهم : أردت بالمثل كذا ولم أرد كذا ، عملوا على ما يوجبه التّفهيم ، وعذرهم عند النّاس فيما أوردوه احتمال القول الذي خوطبوا به وأشباهه.
ونحن نعلم أنّ الاستفهام مع الشكّ ، أو المعارضة بالممكن إلى أن يصحّ الأمر وينكشف المراد أشبه بالعقلاء من العدول إلى السّيف الذي لا يعدل إليه إلّا ضيق الحالة ، وتوجّه الحجّة!
فإن قال : فاعملوا على أنّ المماثلة على التحديد ـ حتّى لا يغادر أحد الكلامين الآخر في شيء ـ لا يعلمها إلّا علّام الغيوب تعالى عمّا ذكرتم ، ولا يصحّ التحدّي بها ، لم أنكرتم أن تكون المماثلة الملتمسة منهم هي التي يطبّق بها العلماء بين الشّاعرين والبليغين ، والكاتبين والصّانعين. وإن لم يعلموا أنّ فعل كلّ واحد مماثل لفعل الآخر من جميع أطرافه وحدوده؟
قيل له : قد بيّنّا أنّ التحدّي لا يجوز أن يكون واقعا بأمر لا يعلم تعذّره أو تسهّله. وأنّه لا بدّ أن يكون ما دعوا إلى فعله ممّا يرتفع الشّكّ في أمره ويزول الإشكال عنه.
ودللنا على ذلك بأنّهم لو طولبوا بما يشكّك ويلتبس ، ولا تظهر براءة ذمّتهم
__________________
(١) أي إيقاعهم الأذى به صلىاللهعليهوآله.