أو لأنّه تعمّل (١) له زمانا طويلا ، وطالبهم بتعجيل معارضته ، أو غير ذلك ممّا قد جرت العادات بمثله ، ولا اختصاص لأحد فيه ـ فقد كان يجب أن يواقفوا النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، ويقولوا له : ليس في قصورنا عن (٢) معارضتك دليل على نبوّتك وصدقك فيما ادّعيته من صرف الله تعالى لنا عن المعارضة ؛ لأنّك إنّما دعوتنا إلى مماثلتك فيما أتيت به. وقد يتعذّر مماثلة الفاضل عمّن لم يكن في طبقته ، لمجرى العادة من غير صرف. وإذا كنت إنّما تدّعي النّبوّة لا الفضيلة المعتادة الّتي يدّعيها بعضنا على بعض فلا حجّة فيما أظهرته. وما رأيناهم فعلوا ذلك ولا احتجّوا به.
وبعد ، فقد كان لهم أن يقولوا له في الأصل : إن كان التحدّي وقع بالمماثلة ـ سواء قدروا على مماثلته أو نكلوا عنها ـ فدعاؤك (٣) لنا إلى المماثلة طريق (٤) الشّغب وباب العبث ؛ لأنّ العلم بأنّ الكلامين متماثلان على التحديد ممّا لا يضبطه البشر ، ولا يقف عليه إلّا علّام الغيوب جلّ وعزّ ، فلو استفرغنا كلّ وسع في معارضتك ، لكان لك أن تقول : ليس هذا مماثلا لما جئت به ، وقد بقي عليكم ما لم تساووا فيه!
فقد دلّ ما ذكرناه على أنّ الّذي دعوا إلى فعله والمعارضة به هو المقارب الّذي يظهر تمكّنهم منه. ولو كانوا دعوا إلى المماثل أيضا لم يخلّ ذلك بصحّة طريقتنا من الوجه المتقدّم.
وقد بيّنا قبل هذا أنّ العرب وإن لم يكونوا نظّارين (٥) ولا متكلّمين ، فقد كان يجب أن يواقفوا على مثل ما ذكرناه ، من حيث علموا في الجملة أنّ النّبيّ لا بدّ أن يبين بما ليس بمعتاد.
__________________
(١) أي اعتنى واجتهد وتكلّف العمل له.
(٢) في الأصل : من ، والمناسب ما أثبتناه.
(٣) في الأصل : ودعاؤك.
(٤) في الأصل : وطريق.
(٥) أي أهل نظر وجدل واحتجاج.