ومتى لم نعلم ذلك ونقطع على صحّته ، لم تستقم الدّلالة على النّبوّة ، وهذا ممّا لا يقوم غالب الظنّ فيه مقام العلم ، كما قام مقامه في تطبيق الشّاعر وتفضيله على أهل طبقته. إلّا أنّ التطبيق والمفاضلة بين الفاضلين ـ وإن كانا مظنونين ـ فالتّقارب بين الجماعة معلوم غير مظنون. ولهذا لا نرى أحدا من أهل القرية (١) تشاكل عليه مقاربة كلام المفضول للفاضل ؛ وإن علت طبقة أحدهما على صاحبه.
ولا يصحّ اعتراض الشكّ في أنّ كلّ واحد من الكلامين مستبدّ بحظّ من الفصاحة ، وإن زاد في أحدهما ونقص في الآخر ، حتّى يقع في ذلك الخلاف والتّنازع ، ويعتقد فيه المذاهب ، ويصنّف فيه الكتب ، كما جرى كلّ ما ذكرناه في التّطبيق والمفاضلة بين النظيرين.
فقد وضح أنّ التحدّي لم يقع إلّا بأمر يصحّ العلم به والقطع عليه ، دون ما يغلب في الظنّ ، ولا يؤمن ثبوت الخلاف فيه.
فإن قال : فيجب على مذهبكم هذا أن يكون القرآن في الحقيقة غير معجز ، وأن يكون المعجز هو الصّرف عن معارضته!
قيل له : هذا سؤال من قد عدل عن الحجاج إلى الشّناعة (٢) ، واستنفار من يستبشع الألفاظ من غير معرفة معانيها من العامّة والمقلّدين. وقلّ ما يفعل ذلك إلّا عند انقطاع الحجّة ونفاد الحيلة. وما أولى أهل العلم والمتحرّمين (٣) به ، بتنكّب هذه السّجيّة وبتجنّبها! ونحن نكشف عمّا في هذا الكلام.
أمّا «المعجز» في أصل اللّغة ووضعها ، فهو (٤) : أن يكون من جعل غيره عاجزا ، كما أنّ «المقدر» ـ الّذي هو في وزنه ـ من جعل غيره قادرا ، و «المكرم» من جعله كريما وفعل له كرامة.
__________________
(١) كذا في الأصل ، ولعلّها : العربيّة.
(٢) أي التشنيع والتقبيح.
(٣) تحرّم بحرمة : تمنّع وتحمّى.
(٤) في الأصل : فهي ، والمناسب ما أثبتناه.