وإنّما لم نذكر جميع ما يمكن الاعتراض به في هذا الدّليل ، مثل قولهم :
فلعلّ العدول عن المعارضة ، إنّما كان لاستصغارهم أمره ، واستبعادهم تمام مثله ، وأنّ الأمر لمّا استفحل وانتظم وتكاثر الأعوان والأصحاب ، علموا أنّ المعارضة لا تغني ، وأنّ الحرب أنجز ، فصاروا إليها. أو لأنّهم علموا زيادة كلامهم على كلامه ، في معنى الفصاحة ، وفضله في الجزالة ، وأنّ بينهما من ذلك ما لا يكاد يخفى على أحد من الفصحاء. ورأوا من إقدامه على تحدّيهم وتقريعهم ما رأوا معه أنّ الحزم في الإمساك عنه والعدول عن مقابلته ، كما يفعل أهل التّحصيل [مع] من تحدّاهم وقرّعهم بما لا يشتبه على أحد فضلهم فيه وتقدّمهم له ؛ لو لا أنّهم أشفقوا من أن يعارضوه فيحصل الخلاف والتّجاذب في المساواة بالمعارضة أو المقاربة ، ويتردّد في ذلك الكلام ، ويمتدّ الزّمان ، فتقوى شوكته وتكثر عدّته ، فخرجوا إلى الحرب لقطع المادّة ، أو لأنّهم علموا أنّ المعارضة إنّما تمكن (١) من علم فيها المماثلة أو المقاربة ، وهم العدد اليسير ، إذا أنصفوا أيضا من نفوسهم ، ولم يتّبعوا أهواءهم.
فأمّا طوائف المتّبعين وعامّة المستجيبين الّذين بهم النّصرة وفيهم الكثرة ، ممّن لا يعلم المفاضلة بين الفصاحتين ؛ فإنّ المعارضة لا تكفّهم ولا يرفعون بمثلها رأسا ؛ لأنّهم لم يستجيبوا بالحجّة ، فتشكّكهم الشّبهة. وإنّما انقادوا بالتّقليد وحسن الظنّ ، أو لبعض أغراض الدّنيا. ومثل هؤلاء لا يفزع فيهم إلّا إلى السّيف ؛ لأنّ هذه الاعتراضات وما ماثلها متى صحّت ، قدحت في أنّ ترك القوم للمعارضة المؤثّرة ، إنّما كان للتّعذّر.
وإنّما وجّهنا دليلنا هذا إلى من يعترف معنا بأنّ هذه المعارضة لم تقع ، وأنّها لم
__________________
(١) في الأصل : ينبئ ، ولعلّ المناسب ما أثبتناه.